مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف
افتتاح الملعب الكبير للحسيمة ويحتضن أولى مبارياته اليوم الاثنين بين منتخبيْ جزر القمر ومدغشقر محامي اللاعب حسين الشحات يكشف عن قرب إتمام الصلح النهائي بين موكله واللاعب المغربي محمد الشيبي زلزال بقوة 5.1 درجات يضرب جزر ماريانا غرب المحيط الهادئ وزارة الصحة اللبنانية تُعلن إرتفاع عدد شهداء العدوان الاسرائيلي إلى 3516 شهيداً و14929 مصاباً قوات الاحتلال الإسرائيلي 10 فلسطينيين على الأقل من الضّفة الغربية بينهم شقيقان مقتل سيدة وإصابة 10 آخرون جراء سقوط صاروخ على منطقة بشمال إسرائيل الأونروا تعلن تعرض قافلة مؤلفة من 109 شاحنة مساعدات للنهب بعد دخولها إلى قطاع غزة وزارة الصحة الفلسطينية تكشف حصيلة الشهداء جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 43,846 شهيدًا و 103,740 جريحاً منذ 7 أكتوبر 2023 وزارة الصحة اللبنانية تُعلن إستشهاد طفلتين ووالدهما وإصابة شخص في غارة العدو الإسرائيلي على الماري بقضاء حاصبيا
أخر الأخبار

مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف

المغرب اليوم -

مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

أحدُ الضباطِ العرب الذين شاركوا في القفز إلى كرسي الحكم، كان يظنُّ أنَّ الخطابة مثلها مثل أي منصب يمكن الاستيلاء عليه ما دام هو يحمل في حزامه مسدساً. وقف خطيباً في حشد من الناس المساقين إليه. قال الضابط بصوت مجلجل في الميكرفون: أخوتي لقد كنَّا على شفا حفرة من النار، وبحمدِ الله لقد تقدَّمنا خطوات إلى الأمام. لقد عبر من دون قصد عن حقيقة الوضع، لم تخنه اللغة، لكنَّها كانت أكثرَ معرفة منه بأين يقف وإلى أين يتحرَّك.
منذ بدايات القرن العشرين وتراجع الأمية في البلاد العربية بقدر، وبداية التواصل مع الغرب واتساع تقنية الطباعة، بدأ من يمكن أن نعتبرهم نخباً في طرح أسئلة تمحورت حول أسباب التخلف والتردي الشامل الذي يعيشه العرب والمسلمون. تعددت الإجابات، لكنها تمدَّدت واستدارت حول موضوع واحد هو الماضي. الماضي بكل ما فيه من أحداث وحكايات وأشخاص. الدين الإسلامي مثل غيره من الأديان والمعتقدات، يشكل ركيزة أساسية في تكوين الشخصية، وله فعل في توجيه سلوك الناس وضبط حركتهم. امتلأت المكتبات بالمجلدات الضخمة بألوانها الفاقعة وزخارفها المحفورة فوق الأغلفة. مجلدات جرى استيرادها من قاع الماضي السحيق الذي ترعرع وتهادى في أزقة بغداد ودمشق والقاهرة ومراكش والقيروان وغيرها من المدن العربية. وخاض المعممون وأصحاب الطرابيش وحاسرو الرؤوس معاركَ كلامية استعادت مواقع الجمل وصفين والنهروان وغيرها، لكن بسيوف وسهام الحروف التي تسفح دم الماضي على الورق الأصفر والأبيض. لم يغادرنا الجمل بسيوفه ودمائه حتى بعد ما قدم لنا الغرب الكائنات الحديدية التي نركبها، واختلفت مجامع اللغة العربية على تسميتها. تحول الماضي السحيق بكل ما فيه إلى صور متخيلة لها أنفاس وحواس تفتل حبالاً تشدُّنا من دون توقف إلى حفرة غيبية نساها وردمها الزمان، لكنَّها وجدت مكاناً لها في الرؤوس، وغابت السلالم التي يمكن أن تحفز الأقدام التي فوق الأكتاف على الصعود إلى دنيا الوجود الذي يعيش فيه البشر الذي يخوض في يقظة الحياة. في العقدين الأولين من القرن الماضي، حاولت نخبة في بعض البلدان العربية أن تجعل من العقل سلَّماً ترتفع به من حفرة الماضي السحيق الذي حولته قرون الزمان إلى هشيم ميت. لكن فيالق وألوية وكتائب الحفر كانت هي الأقوى، وأرغمت المغامرين على التقافز داخل الحفر بحركات أخرى. كانت المعركة من أجل تجاوز المحنة وجهاً آخر لها. الأسماء الكبيرة التي فرضت وجودها في تلك المعركة الطويلة، صار أغلبهم من الجرحى الذين طالت رؤوسهم سيف وسهام ونبال قوات الحفر السحيقة. كان أبو العلاء المعري رهين محبسين؛ محبسه الأول العماء وذاك لم يكن باختياره، أما محبسه الثاني ببيته فقد كان بقرار منه لأنَّه أدرك أن الانكفاء في خندق العزلة عن أهل زمانه هو غنيمة الدهر بالنسبة له. حاول بعض الباحثين، أو لنقل المفكرين العرب، فتح باب يلج منه العقل العربي إلى عالم الدنيا الجديدة التي بنتها أوروبا بصخور العلم والفكر والفلسفة والصناعة والإبداع والعمل، لكن قوات الأزمان الهشيمة المتمترسة في حفرته، تسابقت إلى كسر مفاتيح الباب الذي يدخلنا إلى الدنيا الجديدة. الدين هو الفأس الذي لا تتقادم شفرته وتشحذه الرؤوس المتخندقة في حفرته. التاريخ السحيق حوله هؤلاء إلى مقدس، وأقوال الأسماء التي قدت من الحجارة، أو استعيرت من أسماء الوحوش، تحولت إلى نصوص مقدسة، قد خاب من اقترب منها.
حاول مغامرو العقل أن يفككوا ترسانة المقاومة المسلحة بالهشيم السحيق، واجتهدوا في قراءة ما مضى علهم يصنعون مفاتيح للعقل الباب، لكن الأسوار كانت عالية والأبواب موصدة. منذ محاولات علي عبد الرازق وطه حسين وسلامة موسى وغيرهم، وصولاً إلى محمد عابد الجابري وحسن حنفي وزكي نجيب محمود وفؤاد زكريا وجورج طرابيشي ومحمد أركون ومحمد شحرور وعثمان أمين ومحمد خلف الله ونجيب محفوظ ونصر حامد أبوزيد وفرج فودة، وآخرهم المستشار محمد عبده ماهر، منذ بداية تلك المحاولات التي اجتهدت من أجل الحفر في آبار الماضي الهشيم كي تفكك ما تكدس في قاعه، كانت قنابل عنقودية لا تتوقف عن الانفجار في وجه كل من اقترب منها. ساحت كلمات، النقد ونقد النقد... إلخ، وكلها تغوص في حفر الماضي كي تنتشل العقل العربي منه، لكن أغلب تلك المحاولات كانت تمضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف. الماضي بكل ما فيه، كان هو المادة التي لم تغب عن أعمال الفدائيين العقلانيين. كتاب طه حسين (مستقبل الثقافة في مصر) رسم خطوطاً فكرية موضوعوية لطريق النهوض بداية من مناهج التعليم القمينة بخلق جيل جديد قادر على الولوج إلى العصر الإنساني الجديد، وقال بكل بصراحة إذا أخذنا شيئاً من أوروبا، فإنها قد أخذت منا، وإذا ارتبطنا بدول البحر المتوسط الأوروبية، فلقد ذهبنا لها يوماً، وجاءت لنا اليوم باختراعاتها وعلمها، فما يضيرنا إذا استفدنا مما سبقتنا إليه، لكن كتابه وما فيه ذهبا مع الريح. الكارثة، نعم وأكرر كلمة الكارثة، أننا اليوم نسخر ما ابتكره الغرب في تعميق حفرة التخلف. عشرات إن لم تكن المئات من القنوات التلفزيونية الخاصة التي أسسها بعض من يسمون أنفسهم بالفقهاء أو العلماء، تجر الشباب إلى ماضٍ سحيق متخيل لا يضيف إلى الرؤوس سوى التراب ورماد الوهم الهشيم. لا حديث عن البحث العلمي والصناعة والفلسفة والإبداع والتسامح ودراسة تجارب الآخرين الذي نهضوا بعد كبوات الاستعمار والجهل والتخلف والحروب. ألا تستحق تجارب الصين وسنغافورة ورواندا وغيرها أن تكرس لها الندوات والدراسات؟ من المضحك أن نرى المعارك الكلامية الساخنة بين المذاهب الإسلامية على القنوات التلفزيونية، في حين تتحد أوروبا بمن فيها من الكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت، ولا تسمع عامل نظافة أو أستاذ جامعة أو زعيماً سياسياً يتحدث عن المذاهب الدينية المسيحية، وإذا سألت أحداً منهم عن ذلك، ينظر إليك مقهقهاً ويتركك ويمضي ويحسبك مجنوناً. بابا الفاتيكان يتحدث عن المهجرين والنازحين والقتلى والجرحى والجياع من المسلمين، أكثر مما يتحدث عنهم الفقهاء والعلماء على المنابر في بلداننا. أغلب الدول المتبرعة لمساعدة المحتاجين من المسلمين هي دول غير إسلامية.
الخلاصة، لا مناص من خروج المفكرين والباحثين والمبدعين العرب من الحفر في الماضي السحيق، والبحث في المعرفة العلمية، وإيصالها إلى العامة بوسائل الاتصال الحديثة المختلفة التي صارت الحبل الذي يمتد للجميع للخروج من حفر الماضي السحيق، والتوقف عن مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف مضغ الماضي الهشيم بأسنان الحروف



GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:32 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

GMT 17:27 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني

GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 15:59 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

إليك كيفية وضع المكياج الخفيف للمحجبات

GMT 00:07 2018 الخميس ,12 إبريل / نيسان

صحافة التشهير لا تواجه بالتشهير

GMT 03:52 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد الجوافة في تجنب التهابات المعدة

GMT 14:31 2017 الخميس ,12 كانون الثاني / يناير

الفنانة المغربية سلمى رشيد وهيثم مفتاح يقفزان من السماء

GMT 00:44 2021 الجمعة ,20 آب / أغسطس

شواطئ ساحرة حول العالم لعطلات الصيف

GMT 10:11 2020 السبت ,13 حزيران / يونيو

يحيط منزله بسور مصنوع من هواتف (آيفون)

GMT 11:07 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

ترسيم الحدود البحرية يعترض صفقة عسكرية بين المغرب وإسبانيا

GMT 12:15 2019 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بدر هاري بعد نزال القرن أظهرت للعالم أنني مازلت الأقوى

GMT 16:08 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنزاجي يعلن تشكيل لاتسيو أمام يوفنتوس في السوبر

GMT 18:48 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ضابط شرطة يفارق الحياة في طريقه لصلاة الفجر في بني ملال

GMT 10:52 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

القضاء الأسترالي يقول كلمته بعد اغتصاب وقتل فتاة عربية

GMT 21:52 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

نورا أريسيان توقع "تقاليد الفقراء" في معرض الكتاب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib