بقلم : محمد أمين
لا أحد يهتم بالتاريخ ينسى هذه الواقعة إلا ويدوّنها فى أوراقه الخاصة، ولا يوجد وفدى إلا ويذكر هذه الواقعة ويفخر بها.. الواقعة حدثت فى ثلاثينيات القرن الماضى، عندما نام الزعيم مصطفى النحاس على محطة القطار فى بنى سويف!.
كانت الصحف القومية نشرت صورة للزعيم مصطفى باشا النحاس، رئيس حزب الوفد آنذاك، نائمًا على «دكة» فى محطة بنى سويف، بعد أن نال منه الإرهاق والتعب.. الصورة التقطتها مجلة «المصور» عام 1931، أُعيد نشر الصورة بعدها بنحو 24 عامًا كتوثيق للكفاح الوطنى، فى ريبورتاج نشرته مجلة «التحرير» عام 1955.
عندما كان الرئيس الراحل أنور السادات رئيس تحرير المجلة، ثم أعيد نشر الصورة أيضًا فى العدد التذكارى الذى نشرته مجلة المصور بمناسبة مرور 90 عامًا على إنشائها، وكتب عن الواقعة أستاذنا المؤرخ جمال بدوى (1934-2007) فى كتابه «كان وأخواتها» (الجزء الأول صفحة 179)، وبحسب ما ذكر «بدوى»، فإن الصورة التقطت بعد أن هبط النحاس باشا إلى بنى سويف فى أبريل عام 1931، أحد أهم معاقل حزب الوفد فى ذلك الوقت، بهدف حشد الناس لمقاطعة الانتخابات البرلمانية!.
كان النحاس باشا قد اختار بنى سويف أول محطة له لحث الناس على مقاطعة الانتخابات، بعد أن ألغى إسماعيل صدقى، رئيس وزراء مصر آنذاك، الدستور فى ذات العام، ليعطى مساحة من الحكم المطلق للملك ويعود صدقى لسياسة الحديد والنار، بينما رأى النحاس أن أفضل طريقة لمواجهة تلك السياسة هى مقاطعة الانتخابات!.
يقول بدوى: عندما هبط النحاس باشا، بنى سويف، كانت محطة القطار أشبه بثكنة عسكرية، وبدأ الجنود فى التضييق عليه ورفاقه، كما منعوه من الخروج من محطة القطار، بينما طار خبر وصول النحاس فى بنى سويف، وتجمهر الناس أمام المحطة لاستقباله، غير أن القوات منعت دخولهم المحطة، فما استطاعت الجماهير دخولها ولا خرج الزعيم إليهم!.
وما إن لاح الصباح، حتى حمل الجنود النحاس باشا ورفاقه إلى القطار المتجه إلى القاهرة قسرًا، ليعود بهم من حيث أتوا، ويبدأ الزعيم رحلة أخرى يبدؤها هذه المرة من المنصورة.
هذه كانت صفحة من صفحات الكفاح الوطنى ضد الاستبداد، قاده حزب الشعب فى ذلك الوقت ضد التزوير والفساد، وسياسة الحديد والنار.. ولما اشتد الإرهاق على الزعيم نام على دكة محطة القطار فى عز البرد، ومنعته القوات من التواصل مع الشعب، وأعاد نشرها أنور السادات فى مجلة «التحرير»!.
وأخيرًا، فإنه رغم معرفة الضباط الأحرار بهذا التاريخ الناصع، سجنوا النحاس وزوجته زينب هانم الوكيل ومنعوه من ممارسة الحياة السياسية، حتى تقاعد من الحياة العامة.. ولما مات الرجل، منعوا الناس من المشى فى جنازته واعتقلوا منهم أعدادًا كبيرة!.