بقلم : محمد أمين
يستحق حزب الوفد وما جرى له أكثر من مقال.. تلقيت، أمس، تعليقًا مقتضبًا من رمز وفدى كبير.. قال: الوفد انتهى يا محمد!، وكأنه يتحسر على تاريخ الوفد وقيمة الوفد.. هذا الحزب الذى تأسس على يد سعد زغلول، يبدو أن عبدالسند يمامة جاء ليشيعه إلى مثواه الأخير ويدفنه.. وأتصور أن «يمامة» حين ذهب إلى ضريح سعد، قال له سعد هامسًا: إنت مين يا ابنى؟.. فقال له: أنا آخر رئيس للحزب!.
أحيانًا يكون هناك نوع من الإلهام يشعر به البعض.. صفوت الشريف مثلًا كان يقول أنا آخر وزير إعلام فى مصر، وقد حدث.. صحيح أنه لم يكن الأخير فى القائمة، ولكنه عمليًّا كان الأخير!.. وإحساسى أن «يمامة» سيكون آخر رئيس لحزب الوفد.. السؤال: كيف يحدث هذا؟.. لا أدرى، ولكن المؤشرات واضحة، والناس أصبح لديها شعور بأنه «مفيش فايدة» فعلًا، وهى المقولة الشهيرة للزعيم سعد زغلول، بغض النظر عن ملابساتها!.
شهر أغسطس من الشهور التى لها علاقة متينة بالوفد والوفديين.. فقد رحل زعماء الوفد فى هذا الشهر.. ومات سعد والنحاس فى يوم واحد، هو ٢٣ أغسطس.. ومات سراج الدين فى نفس الشهر أيضًا، فى ٩ أغسطس، وتحول الوفد من الزعامة إلى الرئاسة.. وقال الدكتور نعمان جمعة: «اليوم تنتهى الزعامة لتبدأ الرئاسة». وكان أول رئيس للوفد بهذا المعنى، وبدأ عصره فى الأول من سبتمبر، بعد انتخابات قوية ومؤثرة خاضها «نعمان» أمام حفيد الباشا، وخرج منها الاثنان متشابكين، وكتب الأستاذ عباس الطرابيلى مقاله الأشهر: مات الباشا عاش الوفد!.
وكان الدكتور نعمان جمعة هو النائب الأول لرئيس الوفد، وحسب نص لائحة الحزب الداخلية حينها، يتولى النائب الأول رئاسة الحزب لحين انتخاب الرئيس الجديد لبيت الأمة، وهذا ما فعله الدكتور نعمان بتولى رئاسة الحزب، وفى ١٥ أغسطس، دعا الدكتور نعمان الهيئة الوفدية إلى الانعقاد وانتخاب أول رئيس للوفد خلفًا للراحل فؤاد باشا سراج الدين.
أُجريت الانتخابات فى هذا الحين، وأُعلن فوز الدكتور نعمان جمعة برئاسة حزب الوفد خلفًا للزعيم الراحل فؤاد باشا سراج الدين، وأُجريت الانتخابات وقتها فى جو ديمقراطى، حيث تنافس ٤ مرشحين، وحصل الدكتور نعمان جمعة على نسبة ٧٨.٢٥٪ من الأصوات!.
وخاض انتخابات الرئاسة، لينافس حسنى مبارك، وقيل إنه أهدر أموالًا طائلة فى حملته الانتخابية، وكانت الخسارة فادحة، والنتيجة مخزية للغاية، وكان هناك فريق معارض لترشحه فى الانتخابات، ولكنه كان مُصِرًّا على الترشح!.
وبدأ عصر التصفيات، بعده تحول الحزب إلى فصائل متنازعة، حتى وصلنا إلى عصر التقلبات والانقلابات والحرائق، وجاء الوقت الذى يتفرج فيه جميع الفرقاء ولا ينطقون لأنهم كانوا شركاء فى مأساة الوفد، وتسرب إليه فلول الحزب الوطنى المنحل، ووصلنا إلى تفتيت القاعدة الوفدية، فخرج من بينهم مَن ليس له علاقة بالوفد فى عصر التأسيس الثانى.. وجاء مَن لا يحلم للحزب العريق ولا يعرف تاريخه، ولا قيمته فى الحياة السياسية!.