عبد الباري عطوان
أن يستنكر السيّد نايف الحجرف أمين عام مجلس التعاون الخليجي ما صدر عن بعض المُشاركين في اجتماع الأُمناء العامّين للفصائل الفِلسطينيّة الذي انعقد يوم الخميس الماضي في كُل من بيروت ورام الله، من إداناتٍ لصفقة القرن ولدولة الإمارات العربيّة المتحدة بسبب إعلانها عن انخِراطها في اتّفاقِ سلامٍ تطبيعيّ، وحِلف أمني وعسكري، مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي، فهذا من حقّه بحُكم موقعه، ولكن أنْ يُطالب هؤلاء، وعلى رأسهم الرئيس الفِلسطيني محمود عبّاس بالاعتِذار لأنّ تلفزيون فِلسطين الرسمي نقل وقائع الاجتِماع، فهذا ليس من حقّه، وذلك للأسبابِ التّالية:
أوّلًا: أنّ مجلس التعاون الخليجي الذي يُطالب السيّد الحجرف بالاعتذار له، ليس كُتلةً مُوحّدةً، ويُعاني من انقِسامات حادّة، وما يتبادله بعض أعضائه، ونتحدّث هُنا عن قطر والإمارات، وقطر والسعوديّة، من شتائمٍ وخوضٍ في الأعراض يتواضع أمامه ما ورد على لِسان الأُمناء العامّين من انتقاداتٍ للاتّفاق المذكور والدّولة المُوقّعة له.
ثانيًا: السيّد الحجرف، الكويتيّ الجنسيّة، هل يملك أي دليل على أنّ هؤلاء المُطالَبون بالاعتِذار قد وجّهوا أي كلمة نقد، ولو حتّى بشكلٍ غير مُباشر إلى دولة الكويت التي يحمل جنسيّتها، وهي الدّولة التي أكّدت على لسان المسؤولين فيها بأنّها لن تفتح أجواءها للطائرات الإسرائيليّة أُسوةً بالسعوديّة والبحرين والإمارات، وقالت إنّها لن تُطبّع عُلاقاتها مُطلقًا مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي؟ وحظيت وتحظى باحترامٍ وتقديرٍ كبيرٍ في أوساط مُعظم الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، ومن بينها الشّعب الفِلسطيني بسبب هذه المواقف المُشرّفة، والسّؤال الذي يطرح نفسه هل تشاور السيّد الحجرف مع جميع الدّول الأعضاء وأخذ مُوافقتها على بيانه المَذكور؟
ثالثًا: هل طالب السيّد الحجرف أعضاء وقِيادات في مجلس التعاون الخليجي بالاعتِذار عن الفُجور في الخُصومة، تُجاه بعضها البعض بسبب الخِلافات الأخيرة والمُستمرّة مُنذ عدّة سنوات، وتضمّنت إغلاق حُدود، ومنع مُواطنين من الدّخول، ونَهشٍ مُتبادل للأعراض، ولا بُدّ أنّه على اطّلاعٍ على مِئات الآلاف من التّغريدات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تُوثّق كُل ما نقول، وما هو أكثر.
رابعًا: جميع هؤلاء الأُمناء العامّين المُشاركين في الاجتماع المذكور اتّخذوا مواقف أكثر قوّةٍ من موقفهم الحالي، تُجاه جميع الدول التي وقّعت اتّفاق سلام مع دولة الاحتلال، وجمهوريّة مِصر العربيّة، والمملكة الأردنيّة الهاشميّة، ولم يُطالبهم أحد بالاعتذار، وكانوا أبطالًا لمواقفهم هذه خاصّةً ضدّ اتّفاقات كامب ديفيد (أُم الكبائر) في أعين الأشقّاء في جميع دول الخليج، والكويت على وجه الخُصوص، لأنّهم رأوا فيها (الاتّفاقات التطبيعيّة) خيانة وخُروج عن القيم والمبادئ العربيّة والإسلاميّة.
خامسًا: ماذا يتوقّع السيّد الحجرف من أُمناء عامّين، كانوا مُقاتلين ومشاريع شهادة وعارضوا الرئيس عبّاس نفسه، وأدانوا اتّفاقات أوسلو والتّنسيق الأمني، وقدّمت مُنظّماتهم آلاف الشّهداء والأسرى والجرحى في نِضالهم وجِهادهم ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، هل يتوقّع منهم أن يرقصوا طربًا للاتّفاق الإسرائيلي الإماراتي مثَلًا؟
نحن رفضنا، ونَرفُض هذا الاتّفاق مثلما نَرفُض الاتّفاقات السّابقة وأوسلو تحديدًا، لأنّ الاتّفاق الإماراتي يُشكّل خطرًا أكبر على الإمارات نفسها ودول الخليج والجزيرة العربيّة قبل أن يُشكّل خطرًا على القضيّة الفِلسطينيّة، لأنّه يفتح الجزيرة العربيّة أمام عودة الإسرائيليين إليها، ويجعلهم جارًا غير مُرحّبٍ به لدولها وشُعوبها، ومصدر توتّر لعُلاقاتها مع جِيرانها التّاريخيين ونحنُ نتحدّث هُنا عن إيران والعِراق واليمن والأردن، ويَحرِف الأنظار عن القضيّة المركزيّة والمُقدّسات المُحتلّة.
الإساءة لبعض الرّموز وحرق بعض الأعلام ربّما استفزّ البعض في مجلس التعاون الخليجي، ولكن هذه الخطوة جاءت من قبل مجموعة محدودةٍ جدًّا، وفي ذروة الغضب من توقيع اتّفاق سلام وتحالف مع ألدّ أعداء شعبهم، والشّعب الفِلسطيني لا يَكِن إلا كُل الودّ والاحتِرام لكُلّ الشّعوب الخليجيّة دُون استِثناء، ويُقدِّر كُل ما قدّمته من دَعمٍ مادّيّ وشُهداء للقضيّة الفِلسطينيّة، والحُكّام يذهبون، بغض النّظر عن مواقفهم، أمّا الأعلام والشّعوب هي الباقية.
***
نَجِد لزامًا علينا أن نلفت نظر السيّد الحجرف، إلى ما يتعرّض له الشّعب الفِلسطيني من شتائمٍ وسُبابٍ وألفاظٍ وتوصيفاتٍ نابيةٍ من عناصرٍ في الجُيوش الإلكترونيّة الخليجيّة الذين باتوا يتباهون بصداقة وأُخوّة الذين يحتلّون المسجد الأقصى والكنائس العربيّة، ويسرقون الأرض، ويُمارسون أبشع أنواع القتل والتّعذيب في حقّ المُرابطين والمُدافعين عن المقدّسات العربيّة والإسلاميّة، وأكّدنا دائمًا أنّ شُرفاء الخليج ووطنيه هم الأغلبيّة السّاحقة، ولم يُغيّر هؤلاء من قناعاتنا الرّاسخة هذه.
في الخِتام نُطالب السيّد الحجرف أن يعتذر عن طلبه الاعتذار، وارتِكابِه خطأ التّعميم، وتطاوله على الأُمناء العامّين عندما اتّهمهم، وهم الفدائيّون، بالمُتاجرة بالقضيّة الفِلسطينيّة في بيانه، فالذي يُريد أن يُطفِئ بيتًا مُشتَعِلًا لا يُشعِل النّار في البيت المُجاور، وبعودِ الثّقاب نفسه.