بقلم - عبد الرحمن الراشد
تُختبر متانة أي نظام سياسي بقدرته على ترتيب الحكم عند تغيير المراكز، وهو ما حدث صباح أمس، في المملكة العربية السعودية، عندما نُقِلَت ولاية العهد إلى الأمير محمد بن سلمان، من الأمير محمد بن نايف، الذي رأيناه يبارك ويدعو له بالتوفيق في مهمته حيث جرت فعلاً بيسر وتوافق.
ولا يغيب على الناظرين أن السعودية تتغير سريعاً، وبشكل كبير، بما يتطلب من إدارة الحكم فيها أن تساير التوقعات منها. إنما يُفترض ألا يحدث التغيير على حساب استقرارها، لهذا جاءت مبايعة الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، في إطار النظام السياسي، وفِي صلب تقاليده، أي بقرار الملك، وبتأييد الأسرة المالكة، والمبايعة من فئات المجتمع المختلفة.
أُعلِنَ عن التغيير صباح أمس وسارت الحياة بشكل عادي، وهذا أمر غير عادي في منطقة كالشرق الأوسط، حيث التغيير فيها دائماً مخاضه عسير. النظام السياسي السعودي مستقر منذ ثمانين عاماً، وقادر على إحداث الانتقال تحت قيادة الملك، الذي له الولاء الكامل. رأينا عمليات الانتقال تتكرر بسلاسة في المملكة العربية السعودية، خمسة ولاة للعهد في سبع سنوات، وجميعها، سواء في حالات الوفاة أو التعيين، مرت بالقواعد ذاتها، وبالانضباط ذاته، وفق التقاليد الملكية، بخلاف ما يمكن أن يحدث في أنظمة أخرى كثيرة.
وما يجعل اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد تطوراً جديداً، أنه في عمره كشاب، وتجربته كممارس للإدارة الحكومية الحديثة، يمنح الدولة البعد الزمني، والحيوية التي ستحتاج إليها السعودية في مشروعها التحديثي، الذي بدأته أيضاً تحت إشرافه مباشرة.
وقد كُتبت العديد من البحوث، والمؤلَّفات منذ السبعينات تتساءل عن قدرة الدولة السعودية على الصمود في وجه المتغيرات، بما فيها الطبيعية، مثل تبدلات الزمن والأجيال وتناقص الموارد. يضاف إلى ذلك التحدي المستمر في كيفية التوفيق بين الاستمرارية والتحديث. والذي يعرف طبيعة الأنظمة الملكية، والنظام الملكي السعودي تحديداً، يدرك أن أهم خصائصه قدرته على الانسجام والتأقلم. الملك يريد «تشبيب» الدولة، حتى تساير المجتمع وتخدمه. فجلّ سكان المملكة شباب، ستون في المائة تحت سن الثلاثين عاماً، لهم توقعاتهم التي تتطلب من الحكومة أن تشعر بها، وتعكسها في تعاملاتها ومشاريعها. وهذا ما يجعل مشروع الدولة التحديثي موجهاً في معظمه للشباب.
ولا توجد هناك خيارات كثيرة أمام حكومة ورثت تركة صعبة، وتنمية تقوم بشكل رئيسي على مداخيل البترول، وتدير شؤونها على نفقته. هذا الخيار ممكن الاعتماد عليه إلى فترة زمنية محدودة، لكن الاستمرار فيه مراهنة خطيرة، فيها مقامرة بمستقبل الأجيال الجديدة. البديل هو تطوير العمل الإداري للدولة، وإعادة تفسير واجباتها. هذا يلخص مفهوم التحديث الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان.
أيضاً التعيين الجديد سينهي الأسئلة التي طالما دارت حول الدولة، والأسرة، وولاية العهد والمستقبل السياسي، مما يعزز الاستقرار في هذه الدولة المهمة في منطقة مضطربة.
ولا يمكن أن ننسى صفحة الأمير محمد بن نايف، ولي العهد السابق، الذي طور المؤسسة الأمنية السعودية، ورفعها إلى مستوى متقدم وجلبت الانتصار في الحرب على الإرهاب بعد تفجيرات عام 2003، وكان دائماً محل الاحترام. وأخيراً، استقرار السعودية مصدر مهم لاستقرار المنطقة كلها، ومن مصلحة كل الدول في المنطقة، بما فيها التي قد تختلف مع سياسات السعودية، أن تعضد استقرارها وتستظل بظله. فالفوضى معدية تنتقل، وكذلك الاستقرار.