عبد الرحمن الراشد
نحو ثلاثة ملايين حاج أدوا فريضة الحج هذا العام، وككل عام المسافة بين التوقعات والإمكانات بعيدة، فغالبية المليار مسلم لن يستطيعوا الحج، ليس بسبب أن معظمهم فقراء فقط، بل المانع الأول هو طاقة استيعاب المشاعر المقدسة المحدودة، والتي لا يمكن تغييرها إلا بنسب إضافية محدودة.
وهذا التحدي الصعب يواجه السعودية أمام العالم الإسلامي، لكونها المسؤولة الأولى عن رعاية الحج. وهي تعرف بدورها أن عدد الحجاج لن يزيد كثيرا رغم أنها زادت المساحات الاستيعابية حتى فاضت مكة والمشاعر واستحدثت الكثير من الحلول لتمكين ثلاثة الملايين من السكن والتنقل وأداء النسك. لقد انتهت الحلول بالنسبة للحج، لن يحج أكثر من ثلاثة ملايين، وإن ضوعفت الإمكانات فسيستحيل أن تتجاوز أعدادهم أربعة الملايين حاج.
ورغم أن الكثير قيل عن العمرة، لكن القليل نفذ بعد، وهي ليست البديل عن الحج لكنها خير حل إذا لم يُستطع للحج سبيل. العمرة هي الحل، حيث يمكن للدولة أن ترفع طاقاتها الاستيعابية من خمسة الملايين معتمر في السنة إلى خمسين مليون معتمر.
وقد كتبت عن العمرة منذ سنوات بعد الاستماع للعاملين في مجال تنظيمها، وجميعهم يطمحون للاهتمام بالعمرة وتذليل عقباتها وتمكين أكبر عدد من المسلمين في أنحاء العالم من أدائها، الأمر الذي لا يمكن بعد تحقيقه رغم أن الكثير من الإنشاءات الضخمة قد أنجزت أو هي في طور الإنجاز لصالح الحج والعمرة معا. إشكالات رفع الرقم عديدة.. من بيروقراطية تجعل منح التأشيرات صعبة، ومن ضعف الخدمات الداخلية. هذا يعني أن على الحكومة أن تعيد بناء مؤسسات الطوافة التي تقوم عادة برعاية الحاج من بلده حتى عودته، ونقلها إلى مستوى أكبر، وتحفيز القطاع الخاص ليقدم خدماته لنحو خمسة وأربعين مليون معتمر إضافي كل عام. وهذا يعني أيضا أن على الدولة أن تبني قطاع خدمات يوازي أكبر دول السياحة في العالم، مثل إسبانيا التي تستقبل سنويا مثل هذا العدد تقريبا كل عام.
الذي يجعل التفكير محدودا حتى الآن أن الدولة تعتبر نفسها، وهي بالفعل كذلك، الراعي للمعتمرين والحجيج، وهذا يضع تكاليف ضخمة عليها من دون أن يتيح إمكانية توسيع الخدمات اقتصاديا. الحكومة تنفق مبالغ هائلة غير اقتصادية، مثل أن تقيم شبكة قطارات ضخمة في مناطق نائية تخدم الحجاج خمسة أيام فقط في السنة، تقلهم بين مشاعر مثل عرفة ومنى ومزدلفة. لا يوجد بلد في العالم يبني ويشغل قطارات وسككا حديدية بهذه الضخامة ثم تترك بلا عمل طوال العام! أيضا عمليات التوسعة ونزع الملكيات واستخدام أغلى أنواع مواد البناء والتقنية لخدمة الحجاج أمر خرافي جدا.
إن الحل في إقامة اقتصاد متخصص بخدمة خمسين مليون معتمر قادر على إعانة نفسه، بعد مساندة أولية من الدولة، وقادر على تمكين ملايين الراغبين في أداء العمرة. وليس صحيحا أنه توجد مشاكل ومخاطر أمنية من إدخال هذه الأعداد الهائلة من البشر، فالسعودية لديها تجربة ناجحة في استيعاب العمالة لنحو سبعة ملايين نسمة، وحجم التخلف بينهم يعتبر أقل من المعتاد نسبيا.
أظن أن على الحكومة السعودية أن تعيد النظر في كل أجهزتها وخططها لخدمة المعتمرين، بحيث يكون همها تحقيق هذا الهدف.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"