عبد الرحمن الراشد
يبدو أن صلاة الجمعة في جامع الشربتلي أصبحت قصة أسبوعية شيقة، فيها يتربص الصحافيون بالرئيس المصري محمد مرسي، وفيها يعرفون ماذا يحدث في مسجد الحي الذي يسكن فيه الرئيس. قصة الجمعة الأخيرة كانت عن شكوى المصلين من التفتيش الأمني لكن القصة الأهم ما قاله الخطيب، ويبدو أن أحدا لم يستمع إليه.
أحد المصلين شرح لأحد الصحافيين أنه رفض أن يفتش على أبواب المسجد إلا أن رجل الأمن رد عليه قائلا: «صلي في مسجد تاني». وقال آخر محتجا: «أين الرئيس من عمر، الذي قال عنه أحدهم: (عدلت فأمنت فنمت؟!)». طبعا، لا ينكر إلا جاهل حجم الأخطار التي تحيق بالرئيس، والأمن ضرورة رغم قسوة إجراءاته، والمساجد لم تعد بيوتا آمنة، ولا ننسى أن الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، الذي قيل في حقه القول المأثور، اغتيل في مسجده غدرا وخيانة.
في المسجد، أيضا من الطبيعي أن يطأطئ الرئيس رأسه ككل المصلين، ويستمع بإنصات إلى إمام وخطيب مسجده المفضل. ففي هذه المناسبة، وهذا المكان، لا يستطيع إلا أن يسمع فقط أو يبحث عن مسجد آخر. ولولا أن الخطيب وجد هوى عند الرئيس المؤمن الجالس على الأرض أمامه، مع بقية المصلين، ما قال ما قاله. الدليل أنه يعود إلى نفس المسجد ويستمع إلى نفس الخطيب. لكن لم تعد خطبة الجمعة كما كانت في السابق، أخلاقية دينية مكررة، بل صار الخطباء يتبارون في نقاش السياسة والاقتصاد والبلدية، ويردون على ما يذاع في التلفزيون ويكتب في «تويتر» و«فيس بوك».
الشيخ خطب خطبة مليئة بالمواقف السياسية موجهة للمصلي الأول، للرئيس، دعاه ألا يترك الإعلام على هواه، والإعلام كما تعرفون صار عقدة رجال الدين والسياسة معا. وكانت معظم نصائح الخطيب، كما هو متوقع، منحازة له، إنما أكثرها غرابة وتشددا ما قاله محذرا المؤمنين أمامه، من أن تقارب الأديان فكرة سيئة! ولو قالها إمام مسجد في الرياض أو بنغازي لقلنا ليست بالنصيحة المناسبة، إنما مفهومة في مجتمع مواطنوه على دين واحد. أما مصر فدائما كانت، ولا تزال، بلدا متعدد الأديان، لسبعة آلاف سنة عاش فيها أقوام مختلطو العقائد. ولا ننسى أن من مصر تزوج النبي عليه السلام مسيحية، فكيف ينصح الإمام في حضرة الرئيس بمثل هذه النصيحة الغريبة، خاصة أنه رئيس لكل المصريين وبينهم نحو عشرة ملايين قبطي، أي عدد سكان الدولة الجارة ليبيا مرتين! وللأقباط دور عظيم في تنمية مصر وثقافتها العربية لا يجحدها إلا شخص جاهل.
قد لا نلوم الخطيب إن كان لا يعرف من العالم كثيرا خارج جدران مسجده، ولا نستطيع أن نلوم الرئيس مرسي على ما قاله الخطيب؛ فهذا بيت الله وليس قصر الاتحادية، لكن ربما علينا أن نستشعر الخطر في المجتمعات المختلطة دينيا من مثل هذه المنابر، فتعايش أهل الأديان ضرورة وليس ترفا ثقافيا. وللأسف تغير منبر المسجد، صار يعكس ثقافة الإمام وقراءاته الشخصية أكثر مما يعكس أخلاق الإسلام وتعاليمه. وترويج ثقافة الكراهية لا تبدأ من بقال بسيط بل من أستاذ جامعة، أو خطيب مسجد، من رجل يفترض أنه يعي خطورة ما يعظ به مئات المصلين بمفاهيم تثير الفتن، لا أصل لها في تاريخ الإسلام ولا من البيئة المحلية.
مثل هذا الخطيب، ومثل هذه الخطبة، قنبلة موقوتة لحرب أهلية. من هنا تبدأ الكراهية فتصبح من مجرد رأي إلى عمل سياسي خطير عندما تنخرط المساجد والكنائس في التحريض. بدعوات معادية مثل سني وشيعي وعلوي ومسيحي، هكذا قسم السودان، وتفككت لبنان، وبه تهدد اليوم سوريا والعراق، وحتى الصغيرة البحرين! ولأنه سبق للزميل الأستاذ أحمد العرفج أن جمع غرائب الفتاوى في كتاب مثير، ربما عليه أن يجمع أيضا غرائب بعض الخطباء والدعاة، خاصة أنهم صاروا يغيرون فتاواهم متى وبخهم الغير، طبعا سهل عليهم ذلك، لكن من يغير قناعات الناس التي صدقت الإمام لأنه ينطق باسم الدين.
نقلاً عن جريدة "الشرق الأوسط"