بقلم : عريب الرنتاوي
إن صحت تقديرات الفريق الأممي، فإن «داعش» ما زال يحتفظ بـ «جيشٍ» من المقاتلين، يقدر عديده ما بين 20 – 30 ألفاً، بعضهم أجانب، يتوزعون بالتساوي تقريباً ما بين سوريا والعراق ... معنى ذلك، أن الحرب على الإرهاب، أفقدت التنظيم الجغرافيا، بيد أنها لم تفقده القدرة على القتال وممارسة التهديد ... معنى ذلك، أن الحرب التي خاضتها «تحالفات دولية» وليس تحالفاً واحداً، لن تضع أوزارها في المدى القريب، بعد أن أخفقت في اجتثاث شأفة التنظيم الأشهر في «إدارة التوحش»، أقله حتى الآن.
وإن صحت التقديرات كذلك، ولكن الروسية هذه المرة، فإن ما يقرب من مليوني لاجئ سوري، عبّروا عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم التي هجروها أو هُجّروا منها ... هذا العدد يقارب الـ «40» بالمائة من إجمالي أعداد اللاجئين السوريين ... معنى ذلك، أننا لا نعرف شيئاً عن «رغبات» أزيد من ثلاثة ملايين لاجئ آخر، وما إذا كانوا يرغبون في العودة إلى ديارهم أم لا؟ ... لا نعرف من هم هؤلاء وأين يقيمون، وما هو نصيبنا في الأردن، من الراغبين في العودة أو المترددين في سلوك طريقها أو الرافضين لفكرتها أساساً.
الإرهاب شكّل تهديداً جدياً لدول جوار سوريا خلال السنوات السبع الفائتة، واللجوء شكل تحدياً لاقتصاداتها وبناها الاجتماعية، وتحوّل إلى موضوع للتجاذب الداخلي، ومحور لنشاطات وحراكات دبلوماسية لم تنقطع ولم تهدأ، وليس منظوراً لها أن تتوقف أو أن تهدأ.
مع أنه ومن باب الحقيقة والانصاف، فإن بعض دول جوار سوريا، كان سبباً في تفاقم التهديد الإرهابي وتعاظم تحدي اللجوء، قبل أن ينقلب السحر على الساحر، وتتحول هذه الدول، من موقع الفاعل إلى موقع المفعول به.
نقول ذلك، ونحن نرى تثاقلاً إقليمياً ودولياً على الجبهتين معاً ... لا نرى حماسة في الاستجابة للمبادرات الروسية – السورية لإعادة اللاجئين، على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها موسكو لهذا الغرض ... مثلما أننا لم نعد نسمع عن عمليات مطاردة لفلول داعش في الباديتين السورية والعراقية وجنوبي حوض الفرات، حيث ينتشر ما يقرب من 7-12 ألف مقاتل لداعش في المنطقة الأخيرة، وفقاً لتقديرات أردنية وأوروبية متطابقة.
كما أننا لا نرى حماسة أوروبية وإقليمية، بما فيها من الجانب الأردني، لتنشيط ملف عودة اللاجئين، وتسريع عمليات عودتهم «الطوعية»، حتى أن الدعوات الروسية للتنسيق والتعاون في هذا الملف، لم تجد بعد، آذاناً صاغية من قبل هذه الأطراف، التي أصمت آذان العالم، بالشكوى والتذمر من ثقل «عبء اللجوء السوري».
في تباطؤ الحرب على الإرهاب، يبدو أن انتقال الإرهابيين إلى البوادي بدلاً عن الحواضر والمدن والمراكز السكانية المكتظة، كان سبباً (من بين أسباب أخرى) في إضعاف اهتمام العالم بمواصلة الحرب بزخمها السابق، إذ باستثناء ما يقوم به الجيش السوري من عمليات مكثفة على جبهة ريف السويداء وباديتها، وبعض المطاردات التي يقوم بها الجيش العراقي لفلول داعش، لا نرى فعلاً عسكريا، ذا مغزى... وفي ظننا، أن ثمة دوافع أخرى وراء هذا التباطؤ ... أما عن الأسباب الأخرى، ففي ظننا أن التحالف الدولي، لا يريد أن يكبد نفسه عناء وكلفة في حرب، يفضل أن تكون من «نصيب» الجيش السوري وحلفائه، فلماذا التضحية بالجهد والمال والأرواح، طالما أن وظيفة «داعش» في استنزاف موسكو ودمشق وطهران والضاحية الجنوبية، لم تنته بعد.
أما في ملف اللجوء، ففي ظني، وليس كل الظن إثم، أن ثمة من لا يزال يفكر باللاجئين كـ «ورقة» يمكن استخدامها لتحقيق أغراض سياسية ... لقد لعب هؤلاء بـ «ورقة اللاجئين» لإرهاق النظام السوري وإحراج حليفه الروسي والإيراني، ونظروا لمعسكراتهم ومخيماتهم، كينابيع لا تنضب لتجنيد المقاتلين ضد دول هذا المحور ... اليوم يبقى «اللاجئون» كورقة، وإن بوظيفة ثانية، بعد أن فقدت وظيفتها الأولى، أهميتها واستنفذت أغراضها: ربط قضية اللجوء بإعادة الإعمار، وإعادة الإعمار بالعملية السياسية، والعملية السياسية بتقاسم النفوذ وتوسيع الحصص والمكاسب بين لاعبين كبار، إقليميين ودوليين.
لو أن جزءاً من الميزانيات التي تخصص لدمج اللاجئين وتأهيلهم في الدول الأوروبية، وتمويل «خطط الاستجابة» في «دول جوار سوريا»، وتقديم العون المباشر للاجئين في أماكن انتشارهم، نقول لو أن جزءاً من هذه الميزانيات، يخصص لإعادة تأهيل وتوطين اللاجئين في مدنهم وقراهم وبلداتهم الأصلية، لكان هذا الملف، قد أغلق أو ربما صار في طريقه إلى ذلك ... ولكن اللجوء، كما الإرهاب، يصلح كورقة يمكن توظيفها في الزمان والمكان المناسبين وضد خصوم وأعداء، تتبدل مواقعهم والمواقف منهم باستمرار.