بقلم : عريب الرنتاوي
نفت قطر وجود أي رابط من أي نوع، بين مذكرة التفاهم التي أبرمتها مع ريكس تيلرسون لمحاربة الإرهاب ومنع تمويله من جهة، والجهود الرامية لرفع الحصار وإنهاء المقاطعة المضروبة عليها من قبل دول الرباعي: مصر، البحرين، الإمارات والسعودية من جهة ثانية ... لكن المراقبين للأزمة الخليجية المتفجرة منذ أكثر من سبعة أسابيع، لم يأخذوا النفي القطري على محمل الجد، بل ورأوا في الخطوة القطرية، "قفزة للإمام"، أو بالأحرى "هروب للأمام".
والمقصود بالقفزة أو الهروب إلى الأمام، أن الدوحة استلت من بين قائمة الشروط الثلاثة عشر التي تقدمت بدها دول الرباعي العربي، تلك المطالب/الشروط المتصلة بدعم الإرهاب وتمويله واحتضانه والترويج له، ووضعتها في متن مذكرة التفاهم مع واشنطن، لتسقط بذلك في أيدي الدول الأربع، سيراً على مألوف سلوك الحكومات والأنظمة العربية عامة، والتي عادة ما تفضل تقديم التنازلات للقاصي والداني، عوضاً عن تقديمها لأشقائها وجيرانها، والأهم لشعوبها ومواطنيها.
ويمكن القول وإن بتحفظ، أن الصفقة التي أبرمتها الدوحة مع واشنطن، كانت "ضربة معلم" بالمعنى الدبلوماسي للكلمة (بالمعنى السياسي الصفقة تعمق ارتباط الإمارة وتبعيتها لواشنطن)، إذ سيكون بمقدور تيلرسون أن يبلغ نظرائه من الدول الأربع، بأن مطالبهم قد لُبِيت، وأن واشنطن هي من سيسهر على التأكد من التزام قطر بهذه المطالب، ولن يكون بمقدور أحد هؤلاء أن يقلل من شأن الالتزام الأمريكي بمحاربة أو يطعن في قدرة واشنطن على متابعة تنفيذ بنود الاتفاق الأمريكي – القطري.
أما المطالب الأخرى في قائمة الثلاثة عشر شرطاً، فهي أصلاً لم تكن مقنعة لواشنطن، ولهذا السبب سبق للوزير تيلرسون ذاته، أن وصفها باللاواقعية وغير القابلة للتنفيذ ... فيما اعتبرها أحد مستشاريه الكبار، بأنها كرزمة مطالب باتت متقادمة، ووراء ظهورنا جميعاً ... كسبت قطر الجولة مع واشنطن، فبعد الاتهامات النارية التي تضمنتها تغريدات دونالد ترامب في بدايات الأزمة، بدأ سيل الإشادة بقطر وسرعة استجابتها لخطط محاربة الإرهاب، بالتدفق على ألسنة كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية.
إغلاق الجزيرة وقنواتها الشقيقة لم يكن مطلباً من النوع الذي ستأخذ به أية عاصمة غربية، تحترم الحد الأدنى من مبادئ حرية الصحافة والإعلام والنشر والتعبير ... ولم تكن القاعدة التركية في قطر، مصدر قلق أمريكي أو غربي عموماً، ولقد كان لافتاً أن مديرية التوجيه المعنوي في الجيش القطري، عمدت إلى الإعلان عن وصول دفعة جديدة من الجنود الأتراك إلى قطر، قبل أن يغادرها الوزير الأمريكي ... مصادر قلق الدول الأربع، من قطر والجزيرة، ليست ذاتها مصادر قلق الدول الغربية، ولذلك عمدت واشنطن إلى انتقاء ما يهمها ويناسبها ويندرج في عداد أولوياتها من هذه المطالب، وتركت بقيتها للسجال السياسي والإعلامي بين قطر وغريماتها.
وإن صحت الأنباء، بأن تيلرسون أعاد تأكيد الالتزام الأمريكي بأمن قطر والدفاع عنها داخل حدودها، فإن بمقدور الدوحة أن تنام قريرة العين بعد الآن، وألا تخشى التهديد الذي تستبطنه بعض التصريحات المنسوبة لمسؤولين في الدول الأربع، ملوحة باحتمال اللجوء إلى خيارات تتعدى العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية ... هذا الخيار، سقط كلياً وانسحب من التداول، برغم التقديرات المُتطيرة التي أبداها بعض المحللين الذين "طاشوا على شبر ماء" التغريدات المتسرعة لبعض المسؤولين والمحللين الخليجيين.
ثمة ما يشي بأن "أمراً ما" يدور في أوساط مجموعة الدول الأربع، وثمة أسئلة وتساؤلات تدور حول تماسك هذا التكتل، وقدرته على الاستمرار في ظل تفاوت أولويات دوله واختلاف دوافعها و"محركاتها" ضد قطر ... ومن الشواهد الدالة على ذلك، أن مصر لجأت للتصعيد والتلويح بإجراءات مشددة منفردة، الأمر الذي يعكس قلقاً من احتمال تراجع بعد دول الرباعي عن المضي قدماً في الحملة على قطر لنهايتها ... وثمة سؤال حول تخطي الوزير تيلرسون محطة أبو ظبي في جولته الخليجية، إذ يقال أن الإمارات هي الأكثر تشدداً وحماسة في تشديد قبضة العقوبات والحصار حول عنق قطر ... وثمة سؤال عمّا إذا كانت السعودية قد جنحت للتهدئة، وارتضت بتعهدات قطر للوزير تيلرسون أو أن ثمة قنوات خلفية تتحرك بنشاط بين الرياض والدوحة.
إن صحت هذه الشواهد، والأرجح أنها صحيحة، فيمكن القول أن القاهرة تخشى أن تبقى قطر على نهجها المعادي لها، فمطالبها (الإخوان والجزيرة) لم يؤخذ بها أمريكياً ... أما الإمارات فتشاطر مصر المخاوف ذاتها، خصوصاً في الشق المتعلق بالإخوان، بيد أن لها حسابات أخرى في الأزمة، تتصل بصراع الأدوار وتنافسها اقتصادياً وسياسياً، هذا أمر لا يقلق القاهرة ولا الرياض، أما السعودية، فيهمها أمر الجزيرة إن اتصل الأمر بمعارضين سعوديين، وهي أقل اكتراثاً بعلاقات الدوحة مع الإخوان، والأهم أنها تريد أن تتأكد بأن العائلة المالكة القطرية، ستكف عن أي محاولة للتدخل في الشأن الداخلي السعودية، سواء أكان متصلاً بملف انتقال السلطة وترتيباتها، أو متعلقاً بأية علاقة مباشرة مع مواطنين سعوديين.
وإن كانت ثمة من خلاصة لجولة تيلرسون الخليجية، والاتفاق الأمني الذي صاحبها، فيمكن تلخيصها في خمس نقاط: (1) لا مطرح بعد اليوم لأية خيارات أمنية أو عسكرية لمعالجة الأزمة... (2) تضاؤل قدرة الرباعي على اتخاذ مزيد من الإجراءات التصعيدية ... (3) الحل الوحيد للازمة يبحث على مائدة الحوار والتفاوض ومن خلال الحلول الوسط ... (4) لا فرصة لفرض الشروط الثلاثة عشر على الدوحة، والمسألة برمتها باتت رهناً بنتائج الحوارات والتسويات.... (5) لم ترفع الدوحة الراية البيضاء، ونجحت في تدوير الزوايا الحادة لشروط الرباعي العربي التعجيزية والمُذلة.