بقلم : عريب الرنتاوي
عديدة هي الأطراف الإقليمية، التي تسعى في «تعويم» جبهة النصرة، والحيلولة دون وصول قادتها ومقاتليها، إلى «شفرة المقصلة»... هذه العملية بدأت منذ سنوات عديدة، عندما كان فرع القاعدة في بلاد الشام، «فرس الرهان» الأساسي لهذه القوى، في حربها ضد النظام في دمشق، وحلفائه في كل من موسكو وطهران وبيروت، وهي تتوالى فصولاً اليوم، في ضوء ما يجري تداوله بشأن مصير محافظة «إدلب» التي تحولت إلى أحد أهم معاقل التنظيم المصنف «إرهابياً» بقرار من مجلس الأمن الدولي.
اعتمدت النصرة تكتيك التغيير المتكرر في اسمها، لتفادي المصير الأسوأ، وهي عمدت إلى إصدار إعلان ملتبس يقضي بـ»فك ارتباطها» بتنظيم القاعدة / الأم ... وقبل أزيد من عام بقليل، ظهر تنظيم «حراس الدين» يضم عدداً من قادة النصرة الأجانب، ويقال أنه موالٍ للظواهري وقد بايعه على السمع والطاعة، بعد خلافات متفاقمة مع «أمير» النصرة، أبو محمد الجولاني، الذي بلغت براغماتيته، حداً يفوق طاقة التنظيمات الجهادية على الاحتمال.
لكن هذه التكتيكات، وإن لاقت أوسع حملات الترويج و»التعويم» الإعلاميين، من قبل أنصار النصرة وداعميها في بعض العواصم العربية والإقليمية، لم تنجح في إقناع المجتمع الدولي، وبالأخص كل من موسكو وواشنطن، بأن «القاعدة» قد غيّرت جلدها فعلاً، وأنها باتت شيئاً آخر ... فصدرت المواقف تباعاً من عواصم العالم، تؤكد الحظر والاستهداف المضروبين على التنظيم، بمسمياته المختلفة، وبصرف النظر عن اليافطات التي يتخفى وراءها أو تحتها.
اليوم، وبمناسبة التئام «أستانا 10» في سوتشي، فإن ملف إدلب هو وحده الذي بمقدور المعارضات أن تناقشه مع وفد النظام ... كثيرون من رموز المعارضة الذين ملأوا الأرض والفضاء، وكانوا نجوم جنيف وأستانا على حد سواء، سقطوا في الطريق من «أستانا 1» إلى «أستانا 10»، بعد أن نجح الجيش السوري وحلفاؤه، في القضاء على قواعدهم وتفكيك تنظيماتهم، واحتواء من آثر منهم السلامة و»تسوية الأوضاع»، وبعد أن استعادت الدولة السورية، زمام السيطرة والسلطة على المرابع والمربعات التي كان يتحصن فيها هؤلاء، ويتخذون منها عواصم لإماراتهم المتحاربة والمتصارعة.
ولا شك أن تركيا، ومن ورائها دول خليجية عربية، لا تريد مصيراً أسود للنصرة، ليس مكافأة لها على خدمتها الجليلة في حرب الثماني سنوات، بل من باب إبقائها ذخراً استراتيجياً، وسيفاً يمكن تسليطه على رقبة النظام وحلفائه ... لكن هامش المناورة ومساحة المرونة التي تتوفر عليها هذه الأطراف، يتقلصان باطّراد، على وقع الاختراقات الميدانية لمحور النظام وحلفائه.
في قرارة أنفسهم، يعرف معارضو إدلب وإرهابيّوها، أن آخر طرف «حبل نجاتهم»، مربوط في كف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهو حصان رهانهم الأخير، وليس لهم أحدٌ سواه ... بيد أنهم يعرفون في الوقت ذاته، بأن ثمة القليل من الأوراق التي ما زال بمقدور «السلطان» أن يلعب بها ويشهرها في وجوه خصومه وأعدائه، وأصدقائه الروس والإيرانيين المزعجين جداً ... والجميع بات على علم بقواعد اللعبة الجديدة: تركيا ستفرط بهؤلاء، وستبيعهم في المزاد العلني، عندما تتأكد من تسلم «البضاعة» التي تريد، وحالما تطمئن للحد الأدنى من مصالحها في شمال سوريا وشماليها الغربي.
قد نسمع قريباً عن قرارات من نوع: تشكيل «غرفة عمليات مركزية مشتركة» أو «جيش إدلبي موحد»، وقد تبادر النصرة إلى تغيير اسمها كما فعلت زمن «الفتح» و»هيئة تحرير الشام»، بل وقد تعلن عن «فرط التنظيم» ونثر عناصره في صفوف من يسمون بالفصائل المعتدلة، وقد تتسابق الفضائيات إياها في إجراء المقابلات «المُعدة مسبقاً»، ولغرض محدد مع زعيم التنظيم، وقد يتحدث الأخير بلغة ناعمة جداً عن «الآخر» و»التعددية» و»الخصوصية السورية»... كل هذا ممكن، وقد حدث من قبل، وقد يحدث قريباً، لكن الأمر الذي لا شك فيه، ولا جدال، أن أحداً لن يقبل بلعبة النصرة وداعميها، ببساطة لأن الذئب لن يغير طبعه وسلوكه الغريزي، إن هو تدثر في «فرو» الأرنب.