بقلم : عريب الرنتاوي
جولة دامية أخرى مع الإرهاب، تعيّن على الأردن والأردنيين خوضها ودفع أكلافها الباهظة، دفاعاً عن أمن البلاد وسلامة العباد... ليست الأولى من نوعها، والأرجح أنها لن تكون الأخيرة، طالما أننا أمام عدو لا يقيم وزناً لكل القيم والقواعد الأخلاقية والإنسانية، ولا يقيم اعتباراً لحياة الناس، بمن فيها حيوات أتباعه وأفراد أسرهم من القاصرين والمعولين، الذين لا حول لهم ولا قوة.
هو عمل إرهابي احترافي بامتياز، لا نعرف بعد هوية المنفذين والمخططين، ولم نتلمس خيوط وخطوط اتصالهم وشبكة علاقاتهم ... لكن تفجير المركبة العسكرية في الفحيص، و»الكمين اللئيم» في بناية «نقب الدبور»، تكشفا عن «مهارات» ما كان اكتسابها ليكون أمراً ممكنا، لولا انخراط بعض أو جميع أعضاء الخلية الإرهابية، في أنشطة سابقة، وحصولهم على التدريب المناسب.
وهو تذكرة لنا بما تنسينا إياه، يومياتنا الثقيلة وأجنداتنا المزدحمة: من أن الحرب على الإرهاب، هي رأس الجبل الجليدي الظاهر، من حرب أكثر جدية وجدوى، ضد ثقافة الغلو والتطرف والتكفير والموت ... وهي الحرب التي ما زلنا نخوضها على استحياء، ونتقدم على دروبها بقدم للأمام وآخر للوراء، لكأننا ما زلنا بحاجة لمن يوقظنا من غفلتنا، أو يدلنا على ما فيه خير بلادنا وأهلنا.
هي تذكرة لنا، بأننا لم نفعل الكثير، لتجفيف «حواضن» التطرف والغلو، واستتباعاً، الإرهاب، تارة لأسباب اجتماعية وأخرى خضوعاً لابتزاز أصحاب الأصوات العالية، وثالثة لتقصير متمادي في إنفاذ سيادة القانون، ورابعة لتهاون مذهل في تقدير أثر الظاهرة الإرهابية، والتداعيات المترتبة على أي تراخي في استئصالها وتجفيف منابعها.
هي تذكرة لنا، وكم مرة علينا أن ندفع الإثمان الباهظة لكي نتذكر ونستذكر، أن «عقلية الفزعة» لم تنفع من قبل ولن تنفع من بعد ... بعد الفنادق الثلاثة، هبّ الأردنيون هبة رجل واحد، ضد التطرف والإرهاب، لكن سرعان ما تبدد الزخم في حراكهم وتضامنهم ووحدتهم، قبل أن يعودوا لاستئناف يومياتهم المعتادة التي لم تقطعها سوى جريمة حرق الطيّار الشهيد معاذ الكساسبة، لنعاود الكرة مرة أخرى، ثم نخمد من جديد... الكثير من «طق الحنك» فيما الماء ما زال يتسرب من تحت أقدامنا.
الإرهاب الذي مُني بهزيمة نكراء في سوريا والعراق، لم يرفع الراية البيضاء بعد، ما زالت راياته سوداء تقطر دماً ... والأرجح أن ذئابه المتفردة، تبدو أشد خطوة وجراحها تنزف كما هي عليه اليوم ... هي أشد خطورة بلا شك، ورعاتها وسدنتها بحاجة لـ»انتصار»، أي انتصار، بحاجة لتجديد الحضور بعد الغياب، وليس المهم ما الذي يكونه الهدف وأين يكون ومتى يضغط على أزرار التفجير ... المهم أن يظل حاضراً في المشهد، وألا يترك الانطباع، بأن الهزيمة أقعدته تماماً.
وسواء أكان إرهابيو الفحيص و»نقب الدبور» من بين الخلايا النائمة، أم من «العائدين» من سوريا والعراق، فإن النتيجة واحدة: الخطر ما زال ماثلاً، والتهديد قد يتضاعف في قادمات الأيام ... ولا بديل عن مؤازرة الأجهزة الأمنية والعسكرية في مسعاها لاستئصال شأفة هذا التهديد، ولا بد للمستوى المدني، الحكومي والأهلي، من أن يكون حاضراً في ميادين الحرب على التطرف والإرهاب، كل من موقعه وبأدواته ... ولا مندوحة من التذكير بشعارنا الأثير: كل مواطن خفير، ولو أن كل واحد منّا عمل بروح هذا الشعار وهديه، لربما تعذر على الإرهابيين إيجاد ملاذ يديرون منه توحشهم، ويحضرون تحت سقفه، عبوات القتل وأدوات الإجرام.