بقلم - عريب الرنتاوي
إن كان ثمة من وقت “مثالي” لاستنهاض الشعب الفلسطيني وإعادة بناء وبعث حركته الوطنية، فهو هذا الوقت بالذات، فاذهب في هذه المهمة حتى منتهاها، ولا تصرفك اتصالاتك السياسية ورحلاتك واجتماعاتك عمّا ينفع الناس ويبقى في الأرض ... اليوم، هو يوم تذليل العقبات وكنس العوائق وتخليص هذه الحركة من “الكلس المتراكم” فوق عروقها ومفاصلها ... اليوم، بمقدورك أن تضرب بسيف الشعب الغاضب والثائر، وأن تعيد بعضاَ من النبض والألق لأنبل حركة تحرر وطني عرفها تاريخ البشرية المعاصر.
إذهب إلى المصالحة، مسلحاً بطاقة الثورة والغضب التي تختلج في صدور الفلسطينيين، وأزح عن صدر هذا الشعب، الكثير من “المستحاثات” التي أكل الدهر عليها وشرب، وباتت عبئاً على حركته الوطنية، تعيش في واد وهو في واد آخر ... انفض الغبار المتراكم عن سفارات المنظمة والدولة والمنظمة في الخارج، وتخلص من مومياءاتها، وانفخ في عروقها المتيبسة طاقات شبابية واعدة، متعلمة ومناضلة، تفهم لغة العصر وتتقن أدواته، ودعك عنك حيتان السلطة والفصائل.
اذهب إلى مدن فلسطين وبلداتها وقراها ومخمياتها، واشرف شخصياً على تشكيل لجان محلية لقيادة “الانتفاضة الثالثة”، وضع شعبك في صورة التطورات الأخيرة، وقدم لأبنائه وبناته، جردة حساب عن التجربة الماضية، واشرح لهم معالم الطريق إلى الحرية والاستقلال، وانبئهم بما ينتظرهم ويتعين عليهم فعله ... فالمشوار ما زال طويلاً، ولا تأخذك تفاصيل المحادثات والمداورات التي سيغرقك بها القوم، حيثما حللت وحيثنا ارتحلت.
واجعل من الشتات، معيناً لا ينضب لإسناد “غضب الضفة والقطاع والقدس”، واجعل منه خلايا نحل لا تتوقف عن العمل، وأعد الاعتبار للجان وحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني، واطلب من كل مسؤول في كل ساحة تقارير دورية عن عدد المؤتمرات والندوات والاجتماعات التي نظمها وعقدها وشارك فيها، دعهم يضعوك في صورة ما يقومون به من جهد لكسب معركة الرأي العام، وتفعيل حملات المقاطعة لإسرائيل وسحب الشرعية عنها ... كثيرون منهم، تكلسوا، وباتوا سفراء للآخرين في فلسطين بدل أن يكون سفراء لفلسطين في بلدانهم.
واجمع من حولك، طاقات شعبك الجبارة من مفكرين وباحثين وخبراء وعلماء، من دون التفات لهوياتهم الفصائلية، فليس من بين هؤلاء من بقي في فصيله، لقد ضاقت الفصائل بهم، وقياساتها بات أصغر بكثير من قياساتهم، إجمعهم وتحاور معهم، واطلب إليهم أن يأتوك باستراتيجيات للعمل في شتى الساحات والمسارات والميادين ... فنحن على عتبات مرحلة استراتيجية جديدة، والشعب وقضيته ومشروعه ومقدساته وحقوقه، وحتى قيادته، في خطر ماحق، وعليك عبء المسؤولية في اجتياز هذه المرحلة بكل الكفاءة والاقتدار، وبما يضمن لشعبك وقضيته الظفر والانتصار.
واطلق من دون إبطاء، موجة من الوفود الرسمية والشعبية الوازنة، من الذين لا تشغلهم أرقام المياومات ولا مكاسب السفر، ولا يبالون بوعثائه في الوقت في ذاته، ليطوفوا أربع أرجاء الأرض، حشداً للدعم والتأييد، واستنهاضاً للشتات والجاليات، وتحفيزاً لدوائر الأصدقاء والحلفاء، وتأسيساً لعمل مؤسسي موصول، يعيد للقضية اعتبارها وللشعب مكانته ولفلسطين راياتها على خريطة العالم.
واسعى في توسيع دائرة من تلتقيهم هذه الأيام،اصغ للعشرات من مناضلي ومناضلات شعبك، مثقفيه ومثقفاته، عماله وعاملاته ... لا تغلق على نفسك الأبواب، ولا تبقي رواد مجالسك ممن تعرف ونعرف، أولئك الذين فاضوا بكل ما يعرفون، وقد آن آوان الحصول على الأفكار الطازجة، والتفكير من خارج الصندوق ... آن الأوان لتشريع النوافذ والأبواب للهواء والشمس، فتلكم سنة الحياة
واذهب إلى آخر الشوط في مقارعة إسرائيل ورعاتها، فما عاد من العمر بقية، وما عاد لدى شعبك ما يخسره سوى قيود وأغلاله ... وافتح بسواعد أبنائك وأحفادك المنتشرين على خطوط التماس في كل مدن الضفة وقراها ومخيماتها، وكذا القطاع الباسل والقدس الأبية، أفقاً جديداً لحركة هذا الشعب ومستقبله، بل ولشباب الأمة بأسرها، الذين استلبت انتصارات ربيعهم، بعد أن تغوّلت عليهم قوى الثورة المضادة، وقتلت حلمهم، وتسعى في قتل حلمك وحلم شعبك في الحرية والتحرير والاستقلال الناجز.
واثبت على ثوابتك وثوابت شعبك، فالتاريخ يُكتب هذه الأيام، وهذه الأيام بخاصة، وفي المنعرجات والمنعطفات كالتي نمر بها، يفرز الغث عن السمين، ويمجد القادة التاريخيون، ويلفظ التاريخ الموظفين الصغار، ضيقي الأفق، الذين لا يرون أبعد من أرنبة أنفوفهم ... انت الناطق باسم فلسطين، وفلسطين طالما “لعبت” مع “الكبار”، فلا تبقي مطرحاً للمارقين و”العيال”، ولا تمكنهم من فرصة للتسلل إلى قدس أقداس شعبك وأمتك، ولا تجعل التاريخ يسجل بحقك، بأن يدك ارتعشت أو قلمك تردد في تسطير مواقف شعبك، بأحرف وضّائة ساطعة.
وارم بعصاك في وجوههم، تتفجر ينابيع الحرية والكرامة في سهول فلسطين وهضابها، وستردد ملايين الحناجر التوّاقة للانعتاق والكرامة في دنيا العروبة والإسلام، صدى المعركة في فلسطين، فقد ولدت من رحم المعاناة والظلم، فرصة تاريخية نادرة، فلا تبددها، وصل الليل بالنهار، لتحويل التحدي إلى سانحة، والأمر بيدك من قبل ومن بعد، والكرة في ملعبك وملعبنا وملاعب شعوبنا، فلا تمررها لأفّاق أو مارق في التاريخ، ولا تتركها للعابرين في الكلام العابر.