بقلم - عريب الرنتاوي
انعقاد الدورة التاسعة والعشرين للاتحاد البرلماني العربي في عمان، يعدّ قصة نجاح للدبلوماسية البرلمانية الأردنية، التي شهدت خلال الأعوام القليلة الفائتة، نشاطاً ملحوظاً، وربما غير مسبوق، سعت من خلالها السلطة التشريعية، لاستكمال وتعزيز الأدوار السياسية والدبلوماسية التي تضطلع به وزارة الخارجية، ذوداً عن مصالح الأردن وسعياً لتعظيمها، وبهدف تطوير شبكة العلاقات القومية والإقليمية والدولية للدولة الأردنية.
الدورة عقدت بنصاب كامل لرؤساء البرلمانات العربية على الرغم من التباينات الحاصلة بين بعض دولهم وحكوماتهم ... والدورة شهدت عودة سوريا إلى الاتحاد البرلماني العربي، وهو تطور ما كان ليحدث لولا الجهد التحضيري الكبير الذي سبق انعقاد المؤتمر ومهّد له ... والمؤتمر شهد جملة من اللقاءات «النوعية» على هامشها، بعضها معلن، وبعضها الآخر ما زال في طور الشائعات والمعلومات غير المؤكدة، بيد أنها جميعها تصب في خدمة تعزيز العمل العربي المشترك، الذي يشهد انهيارات متلاحقة، منذ سنوات عديدة.
الدورة التاسعة والعشرون، كانت «فلسطينية بامتياز»، من الاسم/العنوان الذي أطلق على المؤتمر «القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين»، مروراً بالمداولات والقرارات المتضمنة في البيان الختامي، وانتهاء بتعهد رئيس الاتحاد، المهندس عاطف الطراونة، تكريس رئاسته لهذا المنتظم البرلماني العربي للدفاع عن حقوق شعب فلسطين وإسناد نضاله العادل والمشروع من أجل الحرية والاستقلال.
على الرغم من العراقيل والتحفظات التي برزت في سياق المناقشات حول البيان الختامي، وخصوصاً في البند المتعلق بتحريم التطبيع وتجريمه، فقد جاء البيان مرضياً تماماً للجانب الفلسطيني، الذي وجد في الأداء البرلماني الأردني، خير عون وسند له، لتثبيت أسس الحق الفلسطيني وثوابت المشروع الوطني الفلسطيني، وتحصّل على قرارات صلبة وواضحة، ترفض التطبيع مع سلطات الاحتلال والاستيطان والتمييز العنصري.
قد يظن البعض، أن الوصول إلى هذه النتيجة، يأتي من باب تحصيل الحاصل، لكن من يشاهد حالة الهرولة في المواقف الرسمية العربية صوب إسرائيل، يدرك أتم الإدراك أن إعادة التأكيد على هذه الثوابت، بات مهمة صعبة في أزمنتنا الحاضرة ... ولولا الأداء الأردني، المدعوم بقوة من بعض رؤساء البرلمانات العربية (لبنان، الكويت، العراق، وغيرها) لما أمكن الخروج ببيان ختامي يستبطن هذا السقف من المواقف شديدة الوضوح حيال التحديات التي تجبه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة.
ليست لدينا أوهام من أي نوع، بأن نصوص البيان الختامي وروحه، ستترجم إلى سياسات ومواقف وإجراءات في العواصم العربية، فنحن نعرف «الحدود المتواضعة» للأدوار التي تضطلع بها البرلمانات في الأنظمة السياسية لمعظم الدول العربية ... ولا نحن ممن «يعومون فوق شبر ماء كثير من « الجمل والعبارات الرنانة التي اعتاد النظام العربي أن يذيل بها بيانته الختامية المشتركة، من دون أن تجد طريقها إلى حيز التنفيذ ... لكن في زمن الانهيارات المتلاحقة، والتشققات العميقة في جدران العمل العربي المشترك، فإن الإمساك بالثوابت والمواقف المبدئية الأقرب لنبض الشعوب، لا الحكومات، هو خطوة في الاتجاه الصحيح، وإنجاز يستحق التثمين والتقدير.
وأحسب أن النجاح الذي ميّز أشغال الدورة التاسعة والعشرين للاتحاد البرلماني العربي، سيوفر دفعة إضافية لمجلس النواب، بل ولمجلس الأمة بغرفتيه، من أجل السهر على تطوير هذه الأداة بالغة الأهمية في حقل السياسة الخارجية والعلاقات الدولية.