نجح بنيامين نتنياهو في نزع «القداسة» عن «حل الدولتين»، هو لم يقبل بالأصل بهذا الحل، شكلياً ولفظياً، إلا تحت الضغط والإكراه (خطاب بار إيلان) ... وهو لم يتبن يوماً هذا الحل بالمفهوم الدولي الرائج: انهاء الاحتلال الذي بدأ عام 67 وتمكين الشعب الفلسطيني من بناء دولته المستقلة والقابلة للحياة وفقاً لتلك الحدود ... اليوم، بوجود ترامب وإدارته اليمينية في البيت الأبيض، بات ممكناً التحلل من أية التزامات سابقة، والإفلات من صيغة تجرعها اليمين الإسرائيلي المتطرف دينياً وقومياً، كمن يتجرع السم.
ما لم يقله الثعلب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صراحة، قاله نيابة عنه رئيس الدولة العبرية روفين ريفلين، وبكل صلف ووقاحة: دعونا نضم الضفة الغربية بالكامل ونمنح سكانها الجنسية الإسرائيلية ... وردد صدى هذا التصريح، نفتالي بينيت، ثالث ثلاثة في الترويكا الحاكمة، الذي نعى الدولة الفلسطينية واقترح دفنها مرة وإلى الأبد، والقيام بما يتعين القيام به من ضم كامل للضفة الغربية.
ترامب لم يسقط حل الدولتين نهائياً، بيد أنه هبط به من موقع المرجعية الشرعية – الدولية لعملية السلام إلى مجرد وجهة نظر، يمكن لإسرائيل أن تأخذ بها أو تأخذ بغيرها ... نتنياهو لا يريد شيئاً أكثر من ذلك أبداً، أقله في هذه المرحلة ... لكن يخطئ أفدح الخطأ، من يظن ولو للحظة واحدة، بأن «الدولة الواحدة» ستكون البديل الواقعي المتبقي لـ «حل الدولتين» ... بين «الخيارين» ثمة طريق ثالث ستسعى إسرائيل، مدعومة من ترامب، بفرضه على الفلسطينيين والعرب.
البديل الإسرائيلي لحل الدولتين والدولة الواحدة، سيبدأ من البحث عن «غطاء إقليمي»، بل ومشاركة إقليمية في صياغة ملامح هذا البديل ومكوناته، حتى وإن تم ذلك تحت غطاء «مواجهة العدو الإيراني المشترك» و»حلف إسرائيل مع الاعتدال العربي في مواجهة طهران وأهلتها وأحزمتها الإقليمية» ... عنوان البديل الإسرائيلي الجديد – القديم، العودة إلى مشروع غيورا آيلاند، المعنون بـ «الحل الإقليمي» للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
وآيلاند إن كنتم لا تعلمون، هو جنرال إسرائيلي يميني متطرف، ترأس مجلس الأمن القومي في إسرائيل، واقترح حلاً يقتضي اقتطاع أجزاء من سيناء لتوسيع قطاع غزة واستيعاب فائض سكانه ولاجئيه، مقابل ضم أجزاء واسعة جداً من الضفة الغربية، ولا يبقي إلا مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية، مقابل تعويض مصر بأراضٍ من صحراء النقب و»ممر آمن» يصلها بالأردن وآسيا العربية (تحدث عن نفق يصل سيناء بالعقبة، يسمح بمرور السيارات وانابيب الغاز والكهرباء وغيرها).
ليس صدفة أن يجري تداول هذا المشروع والعودة لذكر سيناء كمخرج لاستيعاب فائض الديموغرافيا الفلسطينية ... الأمران مترابطان ... بيد أن المسكوت عنه هو ماذا عن مصير أكثر من مليوني ونصف المليون فلسطيني في الضفة الغربية، وأين سيلقى بهم طالما أنهم لن يحصلوا على دولة فلسطينية قابلة للحياة؟
لم يتحدث أحد مؤخراً عن هذا الموضوع، بيد أن «الأرشيف» الإسرائيلي حافل بمشاريع «الفيدرالية» والكونفدرالية» و»الخيار الأردني»، فلا مخرج من مأزق الديموغرافيا الفلسطينية في الضفة إلى بالربط مع الأردن، وهذا ما سنرى التداول بشأنه في قادمات الأيام.
الدولة الواحدة، ليست خياراً إسرائيلياً على الإطلاق، حتى وإن قامت على التمييز العنصري، العقل الصهيوني يعرف تمام المعرفة، أن قدرة إسرائيل على إدامة نظام للفصل العنصري، ستظل محدودة، مهما تعاظمت ومهما تطاول الزمن ... وبعض القادة الإسرائيليين وإن تحدثوا بخبث أو سذاجة عن منح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية، إلا أنهم لن يقبلوا أبداً بوضع يصبح فيه عدد الفلسطينيين في الكنيست مساوٍ أو متجاوزٍ لعدد الإسرائيليين ... هم يرحبون بالدولة الواحدة (بعضهم) للخلاص من حل الدولتين، أما وجهتهم الفعلية، فتتركز صوب «الحل الإقليمي» الذي أشرنا إلى بعض ملامحه.
الأردن عرّف مصالحه في فلسطين وصراع شعبها مع الاحتلال، بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، تحفظ أمنه واستقراره، والأهم هويته الوطنية ... هذا الخيار في طريقه للتأكل، إن لم يكن قد تآكل وانتهى ... فماذا نحن فاعلون؟
والسلطة الفلسطينية التي أريد لها أن تكون مشروع «الدولة» ونواتها، تصطدم اليوم بحلول تلغيها، وتجعل من استمرارها أمراً من باب «لزوم ما لا يلزم» ... فماذا هي فاعلة؟
والعرب الذي أطلقوا مبادرتهم للسلام في قمة بيروت عام 2002، سيجتمعون في عمان بعد أسابيع قلائل، فماذا هم فاعلون؟
أسئلة وتساؤلات برسم «التسونامي الأسود» الذي يهب على المنطقة من البيت الأبيض
المصدر : صحيغة الدستور