بقلم: عريب الرنتاوي
طوى الأردن صفحة «المعارضة الخارجية»، منذ أن أقدم المغفور له الملك الحسين بن طلال، على وقف العمل بقوانين الطوارئ والأحكام العرفية ... مئات المعارضين عادوا من الخارج بعد أن سقطت الأحكام الاستثنائية، وتوقفت الملاحقات والإجراءات العقابية التي كانت لحقت بهم، وأحياناً بأفراد من عائلاتهم، سيما إجراءات «منع السفر» أو «تجديد الجوازات» والأوراق الثبوتية الأخرى.
لم يبق حزب أو تيار أو معارض فرد، من دون أن يجد لنفسه مكانة تحت شمس الأردن، أجريت انتخابات 1989، وتمخض عنها برلمان ما زلنا نتغنى بفضائله ومزاياه ... وازدحمت العاصمة عمان، بالمكاتب الحزبية، وتحولت المدينة إلى قبلة يؤمها قادة يساريون وقوميون ووطنيون عرب وليس أردنيين فحسب ... ومنذ تلك الحقبة، لم يعد الأردني مضطراً للجوء إلى المنافي الإجبارية أو الاختيارية، كما هو حال معظم كثرة من المعارضين العرب.
ثمة شهادة لا بد من إيرادها، وقد كنت من بين قضى ردحاً طويلاً من الوقت في «المنفى الاختياري /الإجباري»، بأن أحداً من المعارضين الأردنيين، لم يكن يوماً مضطراً ليتلفت خلفه، أو يتفحص سيارته قبل أن يشغلها أو يراقب من يتتبعه من العسس، كما هو زملاؤهم من المعارضين العرب، خشية أن تكون الأجهزة الأمنية، قد رصدته وتتبعته أو حاولت إلحاق الأذى به، اختطافاً أو قتلاً أو تعرضاً بالضرب والأذية ... هذا لم يكن من تقاليد الأجهزة الأمنية الأردنية، من قبل ومن بعد، ولا أذكر شخصياً، وكثرة مثلي، واقعة من هذا النوع.
أقول ذلك، من وحي ما تحفل به وسائل التواصل الاجتماعي من تفاعلات تذهب في شتى الاتجاهات، حول ما يصدر عمّا يسمى «معارضة الخارج» من تعليقات وبيانات و»بوستات»، أكثرها يميل إلى التهريج والإثارة، جرياً على عادة بعض «أسبوعيات» التسعينات و»تابوهايداتها».
وأرى ابتداء أن من حق أي أردني أن يقول ما يشاء وأينما شاء من مواقف وآراء ... ولكن شتان بين حرية الرأي والتعبير المحترمة والمقدرة من جهة، والسفاهة والدجل والانحطاط من جهة أخرى ... ولقد وجدت نفسي مدفوعاً لمشاهدة بعض «نوبات البث المباشر» لأحدهم، الذي بلغ به الجنون، حد اتهامنا بعدم التمييز بين صور الملك أو الملكة الحقيقية و «تقنيات الفوتوشوب» ونتائجها المفبركة والمضللة.
وأحسب أن بعض هؤلاء، وهم ليسوا كثرة على أية حال، بل لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة على الأكثر، لا يمتلك إرثاً سياسياً في المعارضة، تدفعه لطلب اللجوء السياسي أو «الهجرة الاضطرارية»، وأشير هنا إلى سيدة ضاق بها الأردن بما رحب، فغادرت إلى عاصمة إقليمية طلباً للجوء، مع أن قادة التيار الذي تنتمي إليه، السياسية منها والعقائدية، يسرحون ويمرحون في عمان، ويقولون ما شاءوا وكيفما شاءوا ووقتما شاءوا.
تثير الانتباه، حالة التعلق بما يصدر عن هؤلاء وتتبعها من قبل جمهور «غير قليل» من الأردنيين ... ولا أحسب أن للأمر علاقة بمحتوى ما يُقال ويُنشر، بل بتفشي حالة «الفراغ السياسي» التي تدفع بشرائح من أبنائنا لمتابعة كل شاردة وواردة تأتيهم عن حال البلاد والعباد، فما بالك حين تكون مغلفة بما يمكن وصفه «معلومات خاصة» و»مصادر خاصة»، وتنطوي على قدر من «الإثارة» و»التشويق» يبدو مجتمعنا بأمس الحاجة إليها في ظل حالة الركود والبطالة السياسيتين، ومع انسداد آفاق الخروج من «عنق زجاجة الملقي» أو «حلقة الرزاز المفرغة» والتعبيرين لهما وليستا من «عندياتنا».
أحدهم على الأقل، له باع أطول من غيره في الحصول على «المعلومات الخاصة» من «مصادرها الخاصة»، وهنا نفتح قوسين لنسأل عن «المسؤول» عن تسريب هذه المعلومات، وبعضها صحيح أو يقترب من الصحة، ولأي غرض يجري تسريبها غير ذاك الذي في نفس يعقوب ... وهل توسع نظام تسريب المعلومات، ليتجاوز المواقع الالكترونية الأردنية، إلى فضاءات السوشيال ميديا في دنيا المهاجر والمغتربات؟ ... إن في الأمر رائحة تواطؤ من قبل متضررين أو ناقمين ومناكفين كانوا أو ما زالوا في مواقع السلطة والمسؤولية.