عريب الرنتاوي
الاشتباك اللفظي الحاد بين السفيرين، السوري بشار الجعفري والسعودي عبد المعلمي، لدى الأمم المتحدة في نيويورك، يؤشر إلى الوجهة التالية للأحداث والتطورات السورية، بعد ساعات قلائل من الإعلان عن توقف «عاصفة الحزم» السعودية على اليمن ... المعلمي ألمح إلى تعميم «الحزم» ليطال الأزمة السورية، والجعفري يرد بالتهديد بـ «قطع اليد» التي ستمتد إلى بلاده.
تزامن ذلك مع انتشار التقديرات والتكهنات بأن الأزمة السورية التي شهدت تصعيداً لافتاً في وتائر المواجهات العسكرية مؤخراً وعلى أكثر من جبهة، مرشحة لمزيد من التصعيد في قادمات الأيام، ودائماً على إيقاع الحدث اليمني، بصرف النظر عن اختلاف التقييمات بشأن النتائج التي انتهت إليها «عاصفة الحزم»، فالذين يقولون إنها حققت أغراضها وانتهت إلى نصر سعودي «مؤزّر»، يقترحون أن تسعى المملكة إلى تحقيق انتصار مماثل على مسار الأزمة السورية ... والقائلون بأنها أخفقت في تحقيق أي من أهدافها الرئيسة، وأنها كانت بمثابة «خيبة مؤلمة» للسعودية في أول اختباراتها الحربية، يرجحون أن تسعى الرياض إلى تحقيق مكاسب في سوريا «تعوّض» بها خسارتها في اليمن ... الخلاصة أن المحللين على اختلاف انحيازاتهم، يرجحون تصعيداً على جبهات القتال العديدة من شمال سوريا إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.
من جهتنا، نحن الذين أُخذنا على حين غرة بقرار وقف «العاصفة» قبل أن تحقق أي من أهدافها الرئيسة المعلنة، رأينا ونرى، أن «عاصفة الحزم» انتهت، بيد أن الحرب في اليمن وعليه لم تضع أوزارها بعد ...فالمعارك البرية بين الفريقين المحتربين ازدادت احتداماً، والطيران السعودي نفذ عدة ضربات جوية دعماً لأنصار المملكة وحلفائها ... والتقارير تتحدث عن تغيير في أدوات الحرب ووسائلها وتكتيكاتها... والأطراف جميعها، تضع قواتها في أعلى درجات الاستنفار والجهوزية القتالية.
في المعلومات المتسربة من مصادر عدة، أن عدن بشكل خاص، وربما غيرها من مدن الجنوب اليمني عامة، ستكون الهدف التالي للحشود التي يجري تجميعها من أنصار الرئيس هادي والألوية والفصائل العسكرية والعشائرية الموالية والسلفية بمدارسها المختلفة وبعض اتجاهات الحراك الجنوبي، من أجل طرد الحوثيين وأنصار صالح من هذه المدن ... ما حدث أمس الأول من إسناد جوي لحلفاء «العاصفة» على الأرض، نموذج قابل للتكرار في الأيام والأسابيع القادمة.
وطالما أن «العاصفة» قد هدأت من دون التوصل إلى اتفاق سياسي لحل الأزمة اليمنية، فإن من المتوقع أن تدخل الأطراف في موجات متعاقبة من الاشتباك المسلح من أجل تعديل موازين القوى على الأرض، وفرض «الشروط المواتية» لإتمام صفقة الحل النهائي ... الحوثيون وأنصارهم سيعملون على ترجمة المكاسب التي حققوها على الأرض منذ أيلول / سبتمبر الماضي، وخصومهم سيستميتون من أجل استرداد بعض من المدن والمحافظات التي سقطت بيد الحوثيين، أقله من إجراء مفاوضات من موقع متكافئ، وليس من على قاعدة المنتصر والمهزوم.
سنرى في اليمن، استخداماً كثيفاً للمال لشراء الذمم والولاءات، ولترتيب الانشقاقات ... سنرى عمليات نوعية «جوية» في الغالب لدعم الحلفاء ... سنرى حرباً نفسية كثيفة، هدفها بالذات تفتيت جماعة «الزعيم» صالح وفك عرى تحالفه مع الحوثيين ... وربما سنرى عمليات اغتيال وتفجير واستهداف منظمة تسير جنباً إلى جنب، مع الجهود الرامية لإعادة ترميم مائدة الحوار تحت الرعاية الدولية وبضغط دولي كثيف.
ولأن الحرب في اليمن وعليه، تخطت حدود هذا البلد إلى الإقليم، فإن نظرية «الأواني المستطرقة» ستعاود فعلها وتأثيرها الضارين على أزمات أخرى في الإقليم ... حتى إشعار آخر، لن يكون هناك رئيساً توافقياً للبنان ... سوريا ستكون الساحة المفتوحة لاستقبال تأثيرات وتداعيات هذه النظرية، اما العراق، وبفعل قيادة الولايات المتحدة للتحالف الدولي ضد الإرهاب، وتعاونها الوثيق مع الحكومة العراقية، فإن الانعكاسات عليه، ستظل في أدنى حدودها.
أولى إرهاصات «الأثر اليمني» على الأزمة السورية، بدأت من الشمال الغربي والمحافظات الجنوبية ... قوات النصرة و»جيش الفتح» وخليط الفصائل المقاتلة، مدعومة لوجستياً وتسليحياً واستخبارياً من أطراف عربية وإقليمية، متحالفة في اليمن، نجحت في تحقيق اختراق على جبهة إدلب، سيطرت على المدينة وهي بصدد توسيع نطاق «إمارتها» في أريافها ... في المحافظات الجنوبية يواجه الجيش السوري وحلفاؤه، وضعاً صعباً مع خليط الفصائل بقيادة «النصرة»، سيما بعد توارد معلومات شبه مؤكدة عن تلقي هذه الجماعات أسلحة جديدة وصواريخ مضادة للدروع ... جبهة الغوطة الشرقية مروراً بمخيم اليرموك وحي جوبر، تعود لتصدر نشرات الأخبار فيما تشهد تركيا حراكاً كثيفاً لقادة الفصائل المسلحة لتنسيق الجهود والعمليات، وهي تعاود مطالبتها بتدخل بري وغطاء جوي تزامناً مع تجدد الحديث عن «مناطق إنسانية عازلة» على حدود سوريا مع جوارها.
نحن إذن، امام موجة جديدة من «تسخين» المعارك في حروب الوكالة الممتدة من اليمن حتى سوريا، والمؤكد أن الاشتباك الأخير بين السفيرين المعلمي والجعفري، سيتكرر كثيراً في الأيام والأسابيع القادمة.