عريب الرنتاوي
تطورات دراماتيكية، تشهدها الحدود الشمالية للمملكة، في درعا ومحيطها على وجه الخصوص ... “المعارضات” المسلحة سجّلت اختراقاً جعلها ترابط على الجهة المقابلة للحدود، لا أثر للقوات النظامية، المعبر الوحيد، شريان التجارة وحركة تنقل الإفراد والبضائع مغلق ... حالة ضبابية تلف خريطة القوى المسلحة، من هي هذه القوى، من يقود ومن يحرك ومن يتصدر الواجهة ومن يرابط على الجبهات؟ ... أسئلة مثيرة للقلق، لإن ما يبدو صحيحاً من الإجابات عليها اليوم، لم يكن كذلك بالأمس، وقد لا يظل على حاله إلى الغد.
إن كانت “المعارضة المعتدلة” التي راهنا وراهن غيرنا عليها، هي من يتولى زمام الأمر، فتلك مصيبة ... وإن كانت “النصرة” التي يعمل البعض على إعادة تأهيلها، هي من يتولى قيادة الدفة على الضفة المقابلة للمعبر، فالمصيبة أعظم.
عمليات سلب ونهب تصل الليل بالنهار ... هؤلاء لصوص وليسوا “مقاتلي حرية” ... خسائر أولية أردنية تقدر بأربعمائة مليون دينار ... هكذا يرد “المسلحون المعتدلون” على التحية الأردنية... من تابع سائقي الشاحنات وأصحابها والمستثمرين الأردنيين في المنطقة الحرة، لاحظ حجم الوجع والخسارة والقلق ... المشهد ينقلب رأساً على عقب في “نصيب” والمنطقة “الحرام” والريف الجنوبي الشرقي لدرعا، والأردن في عداد “الخاسرين”، والتهديد للأمن بات أعلى من أي وقت مضى، فهل تنتابنا فعلاً مشاعر “الخيبة”؟
“الخيبة” ذاتها تتكرر في مخيم اليرموك ... داعش تخترق المخيم بدعم وتسهيل من “النصرة” وبعض الكتائب الإسلامية المسلحة (المعتدلة)... بعض مسلحي المخيم من “الأكناف” وغيرها، من المحسوبين على الإسلام السياسي الفلسطيني، تذوقوا كؤوس الدم الداعشية ... وقبلها تذوقوا كأس الخيبة من “النصرة”، التي راهنوا على أنها شيء آخر، غير داعش ... في المحكات الرئيسة، لا فرق بين الطرفين، خلافاتهما تنحصر في صراع الزعامة والشرعية، بخلاف ذلك، “الخل أخو الخردل”، ما يصح عن حلف داعش – النصرة في اليرموك، سبق وأن صحّ في القلمون كذلك، وعلى الذين يعملون على تسويق وتسويغ النصرة، أن يستيقظوا قبل فوات الأوان، وعلينا نحن في الأردن بشكل خاص، أن نتنبه لهذا الأمر قبل فوات الأوان، فقد نستيقظ غداً أو بعد غدٍ، على “يرموك آخر” في نصيب أو عموم درعا، فتصبح داعش على مرمى حجر من جابر والمفرق ورمثا وثاني المدن الأردنية.
عن أية “معارضة معتدلة” تتحدثون؟ ... معظم التقارير تتحدث عن اكتساح النصرة للجبهات الجنوبية ... قبل أيام، كنت أتحدث عن وفد أوروبي رفيع زائر ... أبدى ارتياحاً لأداء المعارضة المعتدلة و”الجيش الحر” في جنوب سوريا ... ما حصل خلال الساعات القليلة الفائتة، أظهر بؤس هذا التحليل والتقدير ... النصرة تكتسح مثلما سبق لداعش أن اكتسحت مواقع “المعتدلين” ... في كل الأحوال، فإن ما شهدناه من فوضى وسلب ونهب، يفضي إلى الخلاصة ذاتها: نحن أمام عصابات إجرامية، أياً كانت أسماؤها ومسمياتها.
في اليرموك، لم تبق أمام “المعارضة المعتدلة” من خيارات ... بعضهم سيعلن البيعة للنصرة أو داعش، لا فرق ... بعضهم الآخر قرر الالتحاق بركب الفصائل الفلسطينية الموالية للنظام، أو اختصر الطريق و”بايع” النظام نفسه، تحت يافطة المصالحات المحلية، التي اشتهرت بها المناطق القريبة من المخيم كيلداوبابيلا وغيرها ... سيناريو “أكناف بيت المقدس” في اليرموك، تكرر، أو هو في طريقه للتكرار في درعا وأكنافها.
بعد “الاختراق” الذي سجلته النصرة في ملعب “المعارضة المعتدلة” في إدلب وأريافها، كان ينظر للمحافظات السورية الجنوبية، بوصفها آخر معاقل، و”أفضل تجارب” ما يسمى “المعارضة المعتدلة” ... يبدو أن هذه النظرة قد تعرضت لصفعة قوية في الأيام الماضية ... فالأنباء عن “تسيّد” جبهة النصرة، تسقط نظرية آخر المعاقل ... وعمليات السلب والنهب الوقحة، والتي طاولت ممتلكات الأردنيين واستثماراتهم، تسقط نظرية “أفضل التجارب” ... ولا أدري كم مرة يتعين فيها على “المعارضة المعتدلة” أن تسقط وتفشل، قبل أن نقتنع ويقتنع غيرنا، بأن هذا طريق غير نافذ ورهان خطر بل وضرب من “اللعب بالنار”؟... متى نتوقف ويتوقفون عن سلوك الطريق ذاته وتوقع الوصول إلى نهايات مختلفة؟