رغم استخدام الهواتف الذكية والتجهيزات الإلكترونية في المجتمع وانتشارها كانتشار النار في الهشيم، واحتلالها مكانة كبرى في حياة العديد من الناس، فإن الكتاب الورقي الذي يعد خير جليس في الزمان والمكان ، ما يزال ملازما للعديد من عشاقه .فالقراءة تبقى من أهم الهوايات المفضلة، باعتبارها غذاء العقل، والتي يشكل فيها الكتاب الورقي نصيبا مهما، من هنا جاءت فكرة إحداث أكشاك للقراءة وسط الفضاءات الخضراء ب مدينة الدار البيضاء من أجل بعث الروح من جديد في طقوس القراءة والإقبال على الكتاب والتصالح معه، كوسيلة للإقلاع عن الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفق تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول "أماكن العيش والفعل الثقافي" ، فإن القراءة في المغرب عادة نادرة، لأن المغاربة لا يقرأون، أو على الأقل لا يقرأون كثيرا، واقتناء الكتب لا يعد أولوية بالنسبة لعدد كبير من المواطنين، مشيرا إلى أن هناك غيابا لفضاءات التنشيط الثقافي في أماكن العيش.
ومن أجل تسليط الضوء على عملية إحداث هذه الأكشاك للقراءة، أوضح نائب رئيس جماعة الدار البيضاء عبد المالك الكحيلي المكلف بالشؤون الثقافية والرياضية، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه المبادرة تندرج في إطار برنامج الجماعة المتعلق بالتشجيع على القراءة ، من خلال إنجاز 16 كشكا مخصصا للقراءة وسط مجموعة من الحدائق موزعة على المقاطعات ال16 بالمدينة.
وأوضح نائب العمدة أن الفضاءات العمومية، هي مجال مناسب يمكن أن يتم تسخيره لتشجيع القراءة، لأنه قبلة للعديد من النساء والرجال والأطفال من مختلف الأعمار قصد الاستجمام والاسترخاء وكذا للقراءة، مضيفا أن هذه المبادرة تأتي أساسا لتقريب الكتاب من المواطن ومحاولة إخراجه من شرك الهواتف الذكية وتحريره من الإدمان عليها.
وأضاف، أن هذه المبادرة، التي استلهمت من تجارب دولية سابقة، من أجل العمل على تشجيع القراءة وتجديد الصلة بالكتب التي أصبحت مهجورة، تستقبلها المساحات الخضراء بهذه المقاطعات التي توفر الجو الملائم لمرتادي هذه الفضاءات للإقبال على القراءة من خلال تزويدها بهذه الأكشاك التي تتضمن العديد من الكتب تهم مختلف الفئات العمرية التي تتردد على الحدائق.
وواصل، أنه تم مؤخرا، فتح ثلاث أكشاك، في وجه العموم، بكل من حديقة "مردوخ" الواقعة بمرس السلطان، والقدس بتراب جماعة الصخور السوداء، وأخرى بالحي المحمدي، مشيرا إلى أن هذه العملية ستتواصل لتشمل مختلف مقاطعات العاصمة الاقتصادية .
ومن أجل حفظ وصيانة هذه الكتب وضمان استمرارية هذه المبادرة، أشار إلى أنه يتم المراهنة على المواطن للقيام بذلك في إطار زرع ثقافة جديدة وتكريس إشراك المترددين على هذه الفضاءات، وتحسيسهم بالمسؤولية ووضع الثقة فيهم للحفاظ على الكتب من الضياع .
ومن جانبه، اعتبر السيد عبد الله الشيخ ناقد فني وباحث جمالي، هذه المبادرة نموذجية بكل المقاييس لأنها تساهم في ترسيخ بعض معالم ثقافة القرب من خلال إشاعة قيم القراءة داخل الفضاءات العامة التي تشكل الرأسمال الحضري المشترك، مضيفا أن المجلس الجماعي راهن على هذا المشروع المواطن والمندمج من أجل إضفاء روح جديدة على الحدائق العمومية باعتبارها أولا متنفسا طبيعيا ومنفذا عضويا للراحة والاستجمام من الناحية النفسية، وثانيا بوصفها فضاء مجاليا للحوار والتبادل والتقاسم من الناحية الإجتماعية .
وثمن هذا الإنجاز الثقافي الذي يعزز التهيئة العامة للحدائق العمومية ويعيد تأهيلها من الناحية المشهدية وكذا من الناحية الوظيفية، إذ ستتشكل لا محالة تقاليد جديدة على المستوى السلوكي الجماعي درءا لكل نزعات العنف الرمزي والمادي معا، وستتبلور بكل تأكيد قيم التحصيل المعرفي في أبعاده التثقيفية والإخبارية والترفيهية .
وواصل أنه سينضاف هذا المشروع النموذجي إلى حلقات الفن الحضري المعاصر الذي يستمد إرهاصاته الأولى من تجارب إبداع الشارع الحداثية والتحسيسية، معبرا عن أمله في أن تعمم هذه المبادرة على الصعيد الوطني حتى يكتمل مشروع توسيع شبكة القراءة ودمقرطتها في إطار مجتمع المعرفة الذي نتوق إليه جميعا بشراكة مع كل الجهات المعنية والهيآت المختصة. فكل كشك، إذن، كما قال ، بمثابة " مكتبة مصغرة في رحاب الفضاء الأخضر من شأنه أن يغذي ملكاتنا الإدراكية ويغير تمثلاتنا النمطية حول علاقتنا بالمجال الحضري، وذلك في ضوء وعي بيئي جديد يتمثل فيه ثقافة التحصيل القرائي النواة الصلبة وعيا وممارسة ".
وبالعودة إلى تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فقد كشف عن عدم توفر عروض قرائية كافية للشباب المغربي داخل المكتبات والخزانات الوسائطية ومراكز التوثيق داخل المدارس والثانويات، مضيفا أنه في المدارس والثانويات التي تتوفر على مكتبات، فإن المشرفين عليها لا يختارون الكتب على حسب خصائص المشروع الثقافي للمؤسسة وحاجيات الشباب.
واقترح التقرير "وضع استراتيجية وطنية منسقة بصورة تدريجية"، وذلك بهدف "تشجيع القراءة مدى الحياة وفي كل مكان".
وتبقى الإشارة إلى أنه رغم عزوف القارئ المغربي عن عادة القراءة، وتصنيفه في مراكز متأخرة في معدلات القراءة وكذا اقتناء الكتب، فإنه مع ذلك يتعين العمل على تكثيف مختلف المبادرات التي من شأنها ترسيخ ثقافة القراءة حتى تجعل من المواطن يرى في الكتاب ضرورة للحياة.
قد يهمك أيضا:
مدينة الرباط تحتفل باليوم العالمي للشعر 21 مارس تحتفي بالزجل المغربي وتكرم بوعزة الصنعاوي
وزارة الثقافة المغربية تقتحم أبواب منازل جهة الرباط للبحث عن المواهب
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر